ذكره ، ولا يليق ذلك بأن يكون المراد من قوله وهم ينهون عنه النبي عن أذيّته ، لأنّ ذلك حسن لا يوجب الهلاك.
فإن قيل : إنّ قوله : (وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ) يرجع إلى قوله : (وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ) لا إلى قوله (يَنْهَوْنَ عَنْهُ). لأنّ المراد بذلك أنّهم يبعدون عنه بمفارقة دينه وترك الموافقة له وذلك ذمّ فلا يصحّ ما رجحتم به هذا القول قلنا : إنّ ظاهر قوله : (وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ) يرجع إلى كلّ ما تقدّم ذكره لأنّه بمنزلة أن يقال : إنّ فلاناً يبعد عن الشيء الفلاني وينفر عنه ولا يضرّ بذلك إلاّ نفسه ، فلا يكون هذا الضرر متعلّقاً بأحد الأمرين دون الآخر. انتهى.
وذكر ابن كثير في تفسيره (٢ / ١٢٧) القول الأوّل نقلاً عن ابن الحنفيّة وقتادة ومجاهد والضحّاك وغير واحد ، فقال : وهذا القول أظهر والله أعلم ، وهو اختيار ابن جرير.
وذكر النسفي في تفسيره (١) بهامش تفسير الخازن (٢ / ١٠) القول الأوّل ثمّ قال : وقيل : عني به أبو طالب : والأوّل أشبه.
وذكر الزمخشري في الكشّاف (٢) (١ / ٤٤٨) والشوكاني في تفسيره (٣) (٢ / ١٠٣) وغيرهما القول الأوّل وعزوا القول الثاني إلى القيل ، وجاء الآلوسي (٤) وفصّل في القول الأوّل ثمّ ذكر الثاني وأردفه بقوله : وردّه الإمام. ثمّ ذكر محصّل قول الرازي.
وليت القرطبي لمّا جاءنا يخبط في عشواء وبين شفتيه رواية التقطها كحاطب ليل دلّنا على مصدر هذا الذي نسجه ، ممّن أخذه؟ وإلى من ينتهي إسناده؟ ومن ذا
__________________
(١) تفسير النسفي : ٢ / ٨.
(٢) الكشّاف : ٢ / ١٤.
(٣) فتح القدير : ٢ / ١٠٨.
(٤) روح المعاني : ٧ / ١٢٦ ـ ١٢٧.