فتشتبك المصيبتان على أهله ، هذا هو الفخر المرموق إليه في باب الأديان لأنّه منبعث عن صلابة في إيمان ، ونفوذ في البصيرة ، وتنمّر في ذات الله ، وتحفّظ على كتاب الله وسنّة نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ وأخذ بمجاميع الدين الحنيف ، فأيّ أمّة هي هكذا لا تنعقد عليها جمل الثناء ولا تفد إليها ألفاظ المدح والإطراء؟ وإنّما الشماتة في التهاون بالأحكام ، وإضاعة الحدود بالتافهات ، واتّباع الهوى والشهوات ، لكن الشيخ أبا علي راقه أن يكون له حظٌّ من الدفاع فدافع.
ثمّ إنّ ما ارتكبه الخليفة خلق لمن يحتذي مثاله مشكلة ارتبكوا في التأوّل في تبرير عمله الشاذّ عن الكتاب والسنّة. فمن زاعم أنّه عفا عنه ولوليّ الأمر ذلك. وهم يقولون : إنّ الإمام له أن يصالح على الدية إلاّ أنّه لا يملك العفو ، لأنّ القصاص حقّ المسلمين بدليل أنّ ميراثه لهم ، وإنّما الإمام نائب عنهم في الإقامة ، وفي العفو إسقاط حقّهم أصلاً ورأساً وهذا لا يجوز ، ولهذا لا يملكه الأب والجدّ وإن كانا يملكان استيفاء القصاص ، وله أن يصلح على الدية (١).
وثان يحسب أنّه استعفى المسلمين مع ذلك وأجابوه إلى طلبته وهم أولياء المقتول إذ لا وليّ له. ونحن لا ندري أنّهم هل فحصوا عن وليّه في بلاد فارس؟ والرجل فارسيّ هو وأهله ، أو أنّهم اكتفوا بالحكم بالعدم؟ لأنّهم لم يشاهدوه بالمدينة ، وهو غريب فيها ليس له أهل ولا ذوو قرابة ، أو أنّهم حكموا بذلك من تلقاء أنفسهم؟ وما كان يضرّهم لو أرجعوا الأمر إلى أوليائه ، في بلاده فيؤمنوهم حتى يأتوا إلى صاحب ترتهم (٢) فيقتصّوا منه أو يعفوا عنه؟
ثمّ متى أجاب المسلمون إلى طلبة عثمان؟ وسيّدهم يقول : «أقدِ الفاسق فإنّه أتى عظيماً». وقد حكم خليفة الوقت قبله بالقصاص منه ، ولم يكن في مجتمع الإسلام
__________________
(١) بدائع الصنائع لملك العلماء الحنفي : ٧ / ٢٤٥. (المؤلف)
(٢) الترة : الثأر.