له عمرو بن العاص : قُتل أمير المؤمنين عمر بالأمس ، ويُقتل ابنه اليوم؟ لا والله لا يكون هذا أبداً ، ومال في بني جمح ، فلمّا رأى عثمان ذلك اغتنم تسكين الفتنة وقال : أمره إليّ وسأرضي أهل الهرمزان منه.
قال الأميني : إنّ إثبات مشاركة هرمزان أبا لؤلؤة في قتل الخليفة على سبيل البتّ لمحض ما قاله عبد الرحمن بن أبي بكر من أنّه رآهما متناجيين وعند أبي لؤلؤة خنجر له رأسان دونه خرط القتاد ، فإنّ من المحتمل أنّهما كانا يتشاوران في أمر آخر بينهما ، أو أنّ أبا لؤلؤة استشاره فيما يريد أن يرتكب فنهاه عنه الهرمزان ، لكنّه لم يصغ إلى قيله فوقع القتل غداً ، إلى أمثال هذين من المحتملات ، فكيف يلزم الهرمزان والحدود تُدرَأ بالشبهات (١)؟
هبّ أنّ عبد الرحمن شهد بتلك المشاركة ، وادّعى أنّه شاهد الوقفة بعينه ، فهل يُقتل مسلم بشهادة رجل واحد في دين الله؟ ولم تنعقد البيّنة الشرعيّة مصافقة لتلك الدعوى ، ولهذا لما أنهيت القضيّة من اختلاء الهرمزان بأبي لؤلؤة إلى آخرها إلى عمر نفسه قال : ما أدري هذا ، انظروا إذا أنا متّ فاسألوا عبيد الله البيّنة على الهرمزان ، هو قتلني؟ فإن أقام البيّنة فدمه بدمي ، وإذا لم يقم البيّنة فأقيدوا عبيد الله من الهرمزان.
وهبّ أنّ البيّنة قامت عند عبيد الله على المشاركة ، فهل له أن يستقلّ بالقصاص؟ أو أنّه يجب عليه أن يرفع أمره إلى أولياء الدم؟ لاحتمال العفو في بقيّة الورثة مضافاً إلى القول بأنّه من وظائف السلطان أو نائبه ، وعلى هذا الأخير الفتوى المطّردة بين العلماء (٢).
__________________
(١) سنن ابن ماجة : ٢ / ١١٢ [٢ / ٨٥٠ ح ٢٥٤٥] ، سنن البيهقي : ٨ / ٢٣٨ ، سنن الترمذي : ٢ / ١٧١ [٤ / ٢٥ ح ١٤٢٤] ، أحكام القرآن للجصّاص : ٣ / ٣٣٠ [٣ / ٢٦٨] ، تيسير الوصول : ٢ / ٢٠ [٢ / ٢٣]. (المؤلف)
(٢) كتاب الأم للشافعي : ٦ / ١١ ، المدوّنة الكبرى : ٤ / ٥٠٢ [٦ / ٤٣٧] ، فيض الإله المالك للبقاعي : ٢ / ٢٨٦ [٢ / ٢٨٧]. (المؤلف)