على أنّه لو كانت لعبيد الله أو لمن عطّل القصاص منه معذرة كهذه لأبدياها أمام الملأ المنتقد ، ولما قال مولانا أمير المؤمنين : «اقتل هذا الفاسق» ، ولما تهدّده بالقتل متى ظفر به ، ولما طلبه ليقتله إبّان خلافته ، ولما هرب عنه عبيد الله إلى معاوية ، ولما اقتصر عثمان بالعذر بأنّه وليّ الدم ، وأنّ المسلمين كلّهم أولياء المقتول ، ولما وهبه واستوهب المسلمين ، ولما كان يقع الحوار بين الصحابة الحضور في نفس المسألة ، ولما قام إليه سعد بن أبي وقّاص وانتزع السيف من يده وجرّه من شعره حتى أضجعه وحبسه في داره.
وهب أنّه تمّت لعبيد الله هذه المعذرة فبما ذا كان اعتذاره في قتل بنت أبي لؤلؤة المسكينة الصغيرة ، وتهديده الموالي كلّهم بالقتل (١)؟
٢ ـ أنا لا أدري من أين جاء المحبّ بهذا التاريخ الغريب من نهضة تيم وعدي ومنعهم من قتل عبيد الله ، وجنوح الأمويّين إليهم بصورة عامّة ، حتى خافهم الخليفة الجديد. وأيّ خليفة هذا يستولي عليه الفرق من أوّل يومه؟ فإذا تبيّنت عليه هذه الضؤولة في مفتتح خلافته ، فبأيّ هيبة يسوس المجتمع بعده؟ ويقتصّ القاتل ، ويقيم الحدود ، ولكلّ مقتصّ منه أو محدود قبيلة تغضب له ، ولها أحلاف يكونون عند مرضاتها.
ليس في كتب التاريخ والحديث أيّ أثر ممّا ادّعاه المحبّ المعتذر ، وإلاّ لكان سعد ابن أبي وقّاص أولى بالخشية يوم قام إلى عبيد الله وجرّ شعره ، وحبسه في داره ، ولم يُر أيّ تيميّ طرق باب سعد ، ولا عدويّ أنكر عليه ، ولا أمويّ أظهر مقته على ذلك ، لكن المحبّ يريد أن يستفزّهم وهم رمم بالية.
ثمّ لو كان عند من ذكرهم جنوح إلى تعطيل هذا الحكم الإلهي حتى أوجب ذلك حذار الخليفة من بوادرهم ، فإنّه معصية تنافي عدالة الصحابة ، وقد أطبق القوم
__________________
(١) ما تقدّم ردّ الجواب الأوّل للمحبّ الطبري.