وفتوى عثمان المذكورة وحديث أبيّ الموافق معه ، فجنح إلى رأي عثمان ، وضرب عمّا جاء به نبيّ الإسلام ، وأجمعت عليه الصحابة والتابعون والعلماء ، كما سمعت عن القرطبي ، وقال النووي في شرح مسلم (١) هامش إرشاد الساري (٢ / ٤٢٥) : إنّ الأُمّة مجتمعة الآن على وجوب الغسل بالجماع ، وإن لم يكن معه إنزال ، وعلى وجوبه بالإنزال. انتهى.
وهذا الإجماع من عهد الصحابة وهلمّ جرّا ، وقال القاضي عياض : لا نعلم أحداً قال به بعد خلاف الصحابة إلاّ ما حُكي عن الأعمش ، ثمّ بعده داود الأصبهاني.
وقال القسطلاني في الإرشاد (٢) (/ ٣٣٣١) : قال البدر الدماميني كالسفاقسي : فيه جنوح لمذهب داود ، وتعقّب هذا القول البرماوي بأنّه إنّما يكون ميلاً لمذهب داود ، والجمهور على إيجاب الغسل بالتقاء الختانين وهو الصواب.
وقال ابن حجر في فتح الباري (٣) (١ / ٣١٦) : قال ابن العربي : إيجاب الغسل أطبق عليه الصحابة ومن بعدهم ، وما خالف فيه إلاّ داود ، ولا عبرة بخلافه ، وإنّما الأمر الصعب مخالفة البخاري وحكمه بأنّ الغسل مستحبّ ، وهو أحد أئمّة الدين وأجلّة علماء المسلمين. انتهى.
فلا تعجب عن بخاريّ يقدّم في الفتوى رأي مثل عثمان على ما جاء به رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد إجماع الأُمّة عليه تقديمه نظراء عمران بن حطّان الخارجي على الإمام الصادق جعفر بن محمد في الرواية :
(وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) (٤).
__________________
(١) شرح صحيح مسلم : ٤ / ٣٦.
(٢) إرشاد الساري : ١ / ٦١٧.
(٣) فتح الباري : ١ / ٣٩٨.
(٤) البقرة : ١٤٥.