وهب أنّ الآية لم تنزل ، فهل الحكم الذي هتف به رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يسدل عليه ستار الإخفاء إلى أن يرتئي الخليفة أن يبوح به؟ أنا لا أدري السرّ في هذه كلّها ، ولعلّ عند الخليفة ما لا أعلمه.
وهل كان مبلغ جهل الصحابة الأوّلين بالسنّة هذا الحدّ بحيث كان يخفى عليهم مثل الحديثين ، وكان علمهما يخصّ بالخليفة فحسب والخليفة مع هذا كان يعلم جهل جميعهم بذلك وأنّه لو كتمه لما بان؟
على أنّ كاتم العلم وتعاليم النبوّة بين اثنين : رحمة تزوى عنه ، وذموم تتوجّه إليه. وإليك في المقامين أحاديث جمّة ، فمن الفريق الثاني ما ورد :
١ ـ عن ابن عمر مرفوعاً : «علم لا يُقال به ، ككنز لا يُنفق منه» (١). أخرجه ابن عساكر.
٢ ـ عن ابن مسعود مرفوعاً : «علم لا ينفع ، ككنز لا يُنفق منه» (٢). أخرجه القضاعي.
٣ ـ عن أبي هريرة مرفوعاً : «مثل الذي يتعلّم العلم ، ثمّ لا يحدّث به ، كمثل الذي يكنز الكنز فلا ينفق منه» (٣). أخرجه الطبراني في الأوسط (٤) والمنذري.
٤ ـ عن أبي سعيد مرفوعاً : «كاتم العلم يلعنه كلّ شيء حتى الحوت في البحر
__________________
(١) كنز العمال : ١٠ / ١٨٩ ح ٢٨٩٩٣.
(٢) كنز العمال : ١٠ / ١٩٠ ح ٢٨٩٩٤.
(٣) المعجم الأوسط : ١ / ٣٩٤ ح ٦٩٣ ، الترغيب والترهيب : ١ / ١٢٢ ، كنز العمال : ١٠ / ١٩٠ ح ٢٨٩٩٥.
(٤) في الطبعات السابقة : الطيالسي ، وهو سهو منه قدسسره. إذ ترجم ما رمز إليه المتقي في كنز العمال ب (طس) بالطيالسي ، والحال أنه رمز للطبراني في الأوسط. وتكرر هذا السهو منه في تخريج حديث : اللهم ارحم خلفائي ... انظر ص ٢٢١.