أوّلاً على وتيرتهم حتى بدا له أن يغيّر الترتيب ففعل ، ويؤيّده سكوت ابن عمر نفسه عن عثمان فيما مرّ (ص ١٦١) من قوله : كان النبيّ ثمّ أبو بكر ثمّ عمر يصلّون العيد قبل الخطبة. فإن كان عثمان أيضاً مستمرّا على سيرتهم وسنّتهم لذكره ولم يفصل بينهم وبهذا يتأتّى الجمع أيضاً بين حديثي ابن عبّاس من قوله : شهدت العيد مع النبيّ وأبي بكر وعمر فبدءوا بالصلاة قبل الخطبة. ومن قوله : صلّى رسول الله ثمّ خطب وأبو بكر وعمر وعثمان (١).
وليتني أدري كيف يُتقرّب إلى المولى سبحانه بصلاة بدّلوا فيها سنّة الله التي لا تبديل لها؟ قال الشوكاني في نيل الأوطار (٢) (٣ / ٣٦٣) : قد اختُلف في صحّة العيدين مع تقدّم الخطبة ، ففي مختصر المزني (٣) عن الشافعي ما يدلّ على عدم الاعتداد بها ، وكذا قال النووي في شرح المهذّب : إنّ ظاهر نصّ الشافعي أنّه لا يعتدّ بها. قال : وهو الصواب.
ثمّ تابع عثمان المسيطرون من الأمويّين من بعده فخالفوا السنّة المتّبعة بتقديم الخطبة لكن الوجه في فعل عثمان غيره في من تبعه ، أمّا هو فكان يُرتج عليه القول فلا يروق المجتمعين ما يتكلّفه من تلفيقه غير المنسجم فيتفرّقون عنه ، فقدّمها ليصيخوا إليه وهم منتظرون للصلاة ولا يسعهم التفرّق قبلها.
قال الجاحظ : صعد عثمان بن عفّان رضى الله عنه المنبر فأُرتج عليه فقال : إنّ أبا بكر وعمر كانا يعدّان لهذا المقام مقالاً ، وأنتم إلى إمام عادل أحوج منكم إلى إمام خطيب ، وستأتيكم الخطب على وجهها وتعلمون إن شاء الله (٤).
__________________
(١) مسند أحمد : ١ / ٣٤٥ ، ٣٤٦ [١ / ٥٦٩ ح ٣٢١٥ ـ ٣٢١٧] ، صحيح مسلم : ١ / ٣٢٤ [٢ / ٢٨٣ ح ١ كتاب صلاة العيدين]. (المؤلف)
(٢) نيل الأوطار : ٣ / ٣٣٥.
(٣) مختصر المزني : ص ٣١.
(٤) البيان والتبيين : ١ / ٢٧٢ و ٢ / ١٩٥ [١ / ٢٧٩ و ٢ / ١٧١]. (المؤلف)