من فعل ذلك زياد بالبصرة في خلافة معاوية ، حكاه القاضي أيضاً. وروى ابن المنذر عن ابن سيرين أنّ أوّل من فعل ذلك زياد بالبصرة قال : ولا مخالفة بين هذين الأثرين ، وأثر مروان ، لأنّ كلاّ من مروان وزياد كان عاملاً لمعاوية فيحمل على أنّه ابتدأ ذلك ، وتبعه عمّاله. انتهى.
لا شكّ أنّ كلاّ من هؤلاء الثلاثة جاء ببدعة وتردّى بالفضيحة ، لكنّ كلّ التبعة على من جرّأهم على تغيير السنّة فعلّوا على أساسه ، ولعبوا بسنن المصطفى حتى الصلاة. أخرج الشافعي في كتاب الأُم (١) (١ / ٢٠٨) من طريق وهب بن كيسان قال : رأيت ابن الزبير يبدأ بالصلاة قبل الخطبة ، ثمّ قال : كلّ سنن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قد غُيّرت حتى الصلاة.
فإن كان ما ينقم على الخليفة من هذا الوجه أمراً واحداً فهو في بقيّة الأمويّين أمران : مخالفة السنّة ، والابتداع بسبّ أمير المؤمنين. فهم مورد المثل السائر : أحشفاً وسوء كيلة (٢). أنا لا أعجب من هؤلاء الثلاثة إن جاءوا بالبدع ، فإنّ بقيّة أعمالهم تلائم هاتيك الخطّة ، فإنّ الخلاعة والتهتّك مزيج نفسيّاتهم ، والمعاصي المقترفة ملء أرديتهم فلا عجب منهم إن غيّروا السنّة كلّها ، ولا أعجب من مروان إن قال لأبي سعيد بكلّ ابتهاج : تُرك الذي تعلم. أو قال : قد ذهب ما تعلم ، ولا عجب إن بدّلوا الخطبة المجعولة للموعظة وتهذيب النفوس ؛ الخطبة التي قالوا فيها : وجبت لتعليم ما يجب إقامته يوم العيد والوعظ والتكبير ، كما في البدائع (١ / ٢٧٦) بدّلوها بما هو محظور شرعاً أشدّ الحظر من الوقيعة في أمير المؤمنين ، وأوّل المسلمين ، وحامية الدين ، الإمام المعصوم ، المطهّر بنصّ الكتاب العزيز ، نفس النبيّ الأقدس بصريح القرآن ، وعدل الثقل الأكبر في حديث الثقلين ، صلوات الله عليه. ولعلّك لا تعجب من الخليفة
__________________
(١) كتاب الأُم : ١ / ٢٣٥.
(٢) مثل يضرب لخلّتي الإساءة تجتمعان على الرجل. المستقصى في أمثال العرب : ١ / ٢٥٩.