الجمهور إلى أنّ المسلم لا يُقتل بالكافر لما ثبت في البخاري عن عليّ قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا يُقتل مسلم بكافر». ولا يصح حديث ولا تأويل يخالف هذا ، وأمّا أبو حنيفة فذهب إلى أنّه يُقتل به لعموم آية المائدة.
قال الأميني : يعني من آية المائدة قوله تعالى : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) (١). وقد خفي على المجتهد تجاه النصوص الصحيحة الثابتة أنّ عموم الآية لا يأباها عن التخصيص ، وقد خصّصها هو نفسه بمخصّصات. أجاب عن هذا الاستدلال الواهي كثير من الفقهاء وفي مقدّمهم الإمام الشافعي ، قال في كتاب الأُم (٢) (٧ / ٢٩٥) في مناظرة وقعت بينه وبين بعض أصحاب أبي حنيفة : قلنا : فلسنا نريد أن نحتجّ عليك بأكثر من قولك إنّ هذه الآية عامّة ، فزعمت أنّ فيها خمسة أحكام مفردة وحكماً سادساً جامعاً ، فخالفت جميع الأربعة الأحكام التي بعد الحكم الأوّل والحكم الخامس والسادس جماعتها (٣) في موضعين : في الحرّ يقتل العبد. والرجل يقتل المرأة. فزعمت أن عينه ليس بعينها ولا عين العبد ، ولا أنفه بأنفها ولا أنف العبد ، ولا أُذنه بأُذنها ، ولا أُذن العبد ، ولا سنّه بسنّها ولا سنّ العبد ، ولا جروحه كلّها بجروحها ولا جروح العبد ، وقد بدأت أوّلاً بالذي زعمت أنّك أخذت به فخالفته في بعض ووافقته في بعض ، فزعمت أنّ الرجل يقتل عبده فلا تقتله به ، ويقتل ابنه فلا تقتله به ، ويقتل المستأمن فلا تقتله به ، وكلّ هذه نفوس محرّمة.
قال ـ يعني المدافع عن أبي حنيفة ـ : اتّبعت في هذا أثراً. قلنا : فتخالف الأثر الكتاب؟ قال : لا. قلنا : فالكتاب إذاً على غير ما تأوّلت ، فلم فرّقت بين أحكام الله عزّ وجلّ على ما تأوّلت؟ قال بعض من حضره : دع هذا فهو يلزمه كلّه.
__________________
(١) المائدة : ٤٥.
(٢) كتاب الأُم : ٧ / ٣٢٥.
(٣) كذا في المصدر.