وأخرج سعيد بن منصور كما ذكره ابن حزم من طريق بسر بن سعيد قال : إنّ عثمان بن عفّان كان يصاد له الوحش على المنازل ثمّ يذبح فيأكله وهو محرم سنتين من خلافته ، ثمّ إنّ الزبير كلّمه فقال : ما أدري ما هذا يُصاد لنا ومن أجلنا ، لو تركناه ، فتركه.
قال الأميني : هذه القصّة تشفّ عن تقاعس فقه الخليفة عن بلوغ مدى هذه المسألة ، أو أنّه راقه اتّباع الخليفة الثاني في الرأي حيث كان يأمر المحرم بأكل لحم الصيد ، ويحذّر أهل الفتوى عن خلافه مهدّداً بالدرّة إن فعل وسيوافيك تفصيله إن شاء الله تعالى. غير أنّ عثمان أفحمه مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام بالكتاب والسنّة فلم يجد ندحة من الدخول في فسطاطه والاكتفاء بقوله : إنّك لكثير الخلاف علينا. وهذا القول ينمّ عن توفّر الخلاف بين مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام وبين الخليفة ، ومن الواضح الجليّ أنّ الحقّ كلّما شجر خلاف بين مولانا عليّ عليهالسلام وبين غيره كائناً من كان لا يعدو كفّة الإمام صلوات عليه للنصّ النبويّ : «عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض يوم القيامة» (١) وقوله : «عليّ مع القرآن والقرآن معه لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض» (٢) وأنّه باب مدينة علم النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ووارث علمه ، وعيبة علمه ، وأقضى أُمّته (٣) وكان سلام الله عليه منزّهاً عن الخلاف لاتّباع هوى أو احتدام بغضاء بينه وبين غيره ، فإنّ ذلك من الرجس الذي نفاه الله عنه عليهالسلام في آية التطهير. وقد طأطأ كلّ عليم لعلمه ، وكان من المتسالم عليه أنّه أعلم الناس بالسنّة ؛ ولذلك لمّا نهى عمر عبد الله بن جعفر عن لبس الثياب المعصفرة في الإحرام جابهه الإمام عليهالسلام
__________________
(١) راجع ما مرّ في الجزء الثالث : ص ١٥٥ ـ ١٥٨ الطبعة الأولى و ١٧٦ ـ ١٨٠ الطبعة الثانية. (المؤلف)
(٢) راجع ما أسلفناه في الجزء الثالث : ص ١٥٨ الطبعة الأولى و ١٨٠ الطبعة الثانية. (المؤلف)
(٣) راجع ما فصّلناه في الجزء السادس : ص ٥٤ ـ ٧٣ الطبعة الأولى و ٦١ ـ ٨١ الطبعة الثانية. (المؤلف)