قال الأميني : هل علمت أنّه لما ذا ردّ الخليفة الحكم إلى أمير المؤمنين عليهالسلام؟ لقد رفعه إليه إن كنت لا تدري لأنّه لم يكن عنده ما يفصل به الخصومة ، ولعلّه كان ملأ سمعه قوله تعالى : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) (١) ويعلم في الجملة أنّ هناك فرقاً في كثير من الأحكام بين الأحرار والمملوكين ، لكن عزب عنه أنّ مسألة الحدّ أيضاً من تلكم الفروع ، فكأنّه لم يلتفت إلى قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ) الآية (٢).
أو أنّ الآية الكريمة كانت نصب عينيه لكن لم يسعه فهم حقيقتها ، لأنّ قيد ذاكرته أنّ حدّ المحصنات هو الرجم ، غير أنّه لم يتسنَّ له تعرّف أنّ الرجم لا يتبعّض فالذي يمكن تنصيفه من العذاب هو الجلد ، فالآية الشريفة دالّة بذلك على سقوط الرجم عن المحصنات من الإماء وإنّما عليهنّ نصف الجلد الثابت عليها في السنّة الشريفة (٣).
وأخرج أحمد في مسنده (٤) (١ / ١٣٦) من طريق أبي جميلة عن عليّ عليهالسلام قال : «أرسلني رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى أمة له سوداء زنت لأجلدها الحدّ ، قال : فوجدتها في دمائها فأتيت النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فأخبرته بذلك فقال لي : إذا تعالت من نفاسها فاجلدها
__________________
(١) النور : ٢.
(٢) النساء : ٢٥.
(٣) صحيح البخاري : ١ / ٤٨ [٦ / ٢٥٠٩ ح ٦٤٤٨] ، صحيح مسلم : ٢ / ٣٧ [٣ / ٥٣٥ ح ٣٠ كتاب الحدود] ، سنن أبي داود : ٢ / ٢٣٩ [٤ / ١٦٠ ح ٤٤٧٠ ـ ٤٤٧١] ، سنن ابن ماجة : ٢ / ١١٩ [٢ / ٨٥٧ ح ٢٥٦٦] ، سنن البيهقي : ٨ / ٢٤٢ ، موطّأ مالك : ٢ / ١٧٠ [٢ / ٨٢٧ ح ١٦] ، كتاب الأُم : ٦ / ١٢١ [٦ / ١٣٥] ، تفسير القرطبي : ١٢ / ١٥٩ [١٢ / ١٠٧]. (المؤلف)
(٤) مسند أحمد : ١ / ٢١٩ ح ١١٤٦.