الزمن ولا يُدرى أصحيحة هي أم مكذوبة؟ وعلى فرض الصحّة فهل كان الخليفتان يعلمان الغيب؟ وأنّه سينتج المستقبل الكشّاف رجلاً يكون حجّة لما قدّراه من مدّة التربّص؟ أو كان ما قد رآه فتوى مجرّده؟ فنحتت لها الأيّام علّة بعد الوقوع.
على أنّ أقصى مدّة الحمل محلّ خلاف بين الفقهاء ، ذهب أبو حنيفة وأصحابه والثوري إلى أنّه عامان ، ومذهب الشافعي أنّه أربعة أعوام ، واختار ابن القاسم أنّ أكثره خمسة أعوام (١) ، وروى أشهب عن مالك سبعة أعوام على ما روي أنّ امرأة ابن عجلان ولدت ولداً مرّة لسبعة أعوام (٢).
ولعلّ أبناء عجلان آخرين في أرجاء العالم لا يُرفع أمر حلائلهم إلى مالك والشافعي وقد ولدن أولاداً لثمانية أو تسعة أو عشرة أعوام ، دع العقل والطبيعة والبرهنة تستحيل ذلك كلّه ، ما هي وما قيمتها تجاه ما جاءت به امرأة عجلان وحكم به مالك؟! أو وجاه ما أتت به أمّ الإمام الشافعي فأفتى به؟!
ونقل ابن رشد في سبب التقدير بأربعة أعوام عللاً غير هذا وإن ردّها وفنّدها ، منها : أنّها المدّة التي تبلغها المكاتبة في بلد الإسلام مسيراً ورجوعاً ، ومنها : أنّه جهل إلى أيّ جهة سار من الأربع جهات ، فلكلّ جهة تربّص سنّة فهي أربع سنين. هذا مبلغ علمهم بفلسفة آراء جاء بها عمر وعثمان فأين يقع هو من حكم ما صدع به النبيّ الأقدس؟
ثمّ يخبرني هذا المتفقّه عن هذه العدّة التي أثبتها الخليفتان لما ذا هي؟ فإن كانت عدّة الوفا فإنّها غير جازمة بها ، ولا تثبت بمجرّد مرور أربع سنين أو أكثر ، وفي رواية عن عمر كما سمعت أنّه قضى في المفقود تربّص امرأته أربع سنين ثمّ يطلّقها وليّ
__________________
(١) في الفقه على المذاهب الأربعة : ٤ / ٥٣٥ إنّه خمس سنين على الراجح. (المؤلف)
(٢) راجع مقدّمات المدوّنة الكبرى للقاضي ابن رشد : ٢ / ١٠٢. (المؤلف)