باليمن الكفرة ، يسأل الناس إلحافاً ، ويكتنفه البؤس من جوانبه ، وما ألمّ بالإسلام إلاّ عام خيبر سنة سبع من الهجرة الشريفة باتّفاق من الجمهور؟ فأين كان هو من وفاة أبي طالب ، وما دار هنالك من الحديث؟ فإن صدق في روايته فهو راوٍ عمّن لم ينوّه باسمه ، وإن كان تدليس أبي هريرة قد اطّرد في موارد كثيرة ، روى أشياء ادّعى فيها المشاهدة أو دلّ عليها السياق لكنه لم يشاهد شيئاً منها ، ومن أراد الوقوف على هذه وغيرها من أمر أبي هريرة فليراجع كتاب أبو هريرة لسيّدنا المصلح الشريف الحجّة السيّد عبد الحسين شرف الدين العاملي حيّاه الله وبيّاه فقد جمع ذلك فأوعى.
ومنها : ما أخرجه ابن مردويه وغيره من طريق أبي سهل السريّ بن سهل بالإسناد عن عبد القدوس ، عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس قال : نزلت (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) الآية ، في أبي طالب ألحّ عليه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يسلم فأبى ، فأنزل الله (إِنَّكَ لا تَهْدِي). الحديث (١).
أبو سهل السريّ أحد الكذّابين وضّاع كان يسرق الحديث كما مرّ في سلسلة الكذّابين (٥ / ٢٣١) ، وعبد القدوس أبو سعيد الدمشقي أحد الكذّابين كما أسلفناه في الجزء الخامس (ص ٢٣٨).
وظاهر هذه الرواية كسابقتها هو المشاهدة ، والأثبت على ما قاله ابن حجر في الإصابة (٢ / ٣٣١) : أنّ ابن عبّاس ولد قبل الهجرة بثلاث. فهو عند وفاة عمّه أبي طالب كان يرضع ثدي أُمّه فلا يسعه الحضور في ذلك المشهد.
وإن صدقت الرواية عنه ـ وأنّى تصدق؟ ـ فإنّ ابن عبّاس أسند ما يقوله إلى من لا نعرفه ، ولعلّ رواة السوء حذفوه لضعفه ، كما حذف غير واحد من المؤلّفين أبا سهل السريّ وعبد القدوس ونظراءهما من أسانيد هذه الأفائك ستراً على عللها.
__________________
(١) الدرّ المنثور : ٥ / ١٣٣ [٦ / ٤٢٩].