والقول الفصل : إنّ حبر الأُمّة لم يلهج بتلكم الخزاية ، وإن لهج بشيء من أمر ذلك المشهد عن أحد فأولى له أن يقول ما قاله أبوه من أنّه سمع أبا طالب يشهد بالشهادتين عند وفاته (١). أو يفوه بما أسلفناه عن ابن عمّه الأقدس رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (٢) ، أو يروي ما جاء عن ابن عمّه الطاهر أمير المؤمنين (٣) ، أليس ابن عبّاس راوي ما ثبت عنه من قول أبي طالب لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كما مرّ في (٧ / ٣٥٥) : قم يا سيّدي فتكلّم بما تحبّ وبلّغ رسالة ربّك فإنّك الصادق المصدّق؟
ومنها : ما أخرجه أبو سهل السري الكذّاب المذكور من طريق عبد القدوس الكذّاب أيضاً ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) : الآية. نزلت في أبي طالب عند موته ، والنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عند رأسه وهو يقول : يا عم قل لا إله إلاّ الله أشفع لك بها يوم القيامة ، قال أبو طالب : لا تعيّرني نساء قريش بعدي أنّي جزعت عند موتي ، فأنزل الله تعالى : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) الحديث (٤).
لعلّ ابن عمر لا يدّعي في روايته الحضور في ذلك المحضر. وليس له أن يدّعي ذلك لأنّه كان وقتئذ ابن سبع سنين تقريباً ، فإنّ مولده كان بعد البعثة بثلاث (٥) ، ومن طبع الحال أنّ من هو بهذا السنّ لا يُطلق سراحه إلى ذلك المنتدى الرهيب ، والمسجّى فيه سيّد الأباطح ويلي أمره نبيّ العظمة ، ويحضره مشيخة قريش ، فلا بدّ من أنّه سمع من يقول ذلك ممّن حضر واطّلع ، ولا يخلو أن يكون ذلك إمّا ولد المتوفّى وهو مولانا أمير المؤمنين والثابت عنه ما مرّ في الجزء السابع ، أو عن بقيّة أولاده من طالب وجعفر
__________________
(١) راجع ما أسلفناه في صفحة : ٣٧٠ من الجزء السابع. (المؤلف)
(٢) راجع ما مرّ في صفحة ٣٧٣ من الجزء السابع. (المؤلف)
(٣) راجع ما سبق في صفحة ٣٧٩ من الجزء السابع. (المؤلف)
(٤) الدرّ المنثور : ٥ / ١٣٣ [٦ / ٤٢٩]. (المؤلف)
(٥) الإصابة : ٢ / ٣٤٧ [رقم ٤٨٣٤]. (المؤلف)