ما خشيه معاوية على أهل الشام. وقال بعد قوله : إن شئت تنحّيت. في رواية الطبري : تنحّ قريباً. قال : والله لن أدع ما كنت أقوله. ولابن مردويه : لا أدع ما قلت.
وذكر المسعودي أمر أبي ذر بلفظ هذا نصُّه قال : إنّه حضر مجلس عثمان ذات يوم ، فقال عثمان : أرأيتم من زكّى ماله هل فيه حقّ لغيره؟ فقال كعب : لا يا أمير المؤمنين. فدفع أبو ذر في صدر كعب وقال له : كذبت يا ابن اليهوديّ ثمّ تلا : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا) الآية (١)
فقال عثمان : أترون بأساً أن نأخذ مالاً من بيت مال المسلمين فننفقه فيما ينوبنا من أُمورنا ونعطيكموه؟ فقال كعب : لا بأس بذلك. فرفع أبو ذر العصا فدفع بها في صدر كعب وقال : يا ابن اليهودي ما أجرأك على القول في ديننا! فقال له عثمان : ما أكثر أذاك لي ، غيّب وجهك عنّي فقد آذيتني. فخرج أبو ذر إلى الشام فكتب معاوية إلى عثمان : إنّ أبا ذر تجتمع إليه الجموع ولا آمن أن يفسدهم عليك ، فإن كان لك في القوم حاجة فاحمله إليك. فكتب إليه عثمان بحمله ، فحمله على بعير عليه قتب يابس معه خمسة من الصقالبة يطيرون به حتى أتوا به المدينة قد تسلّخت بواطن أفخاذه وكاد أن يتلف ، فقيل له : إنّك تموت من ذلك فقال : هيهات لن أموت حتى أُنفى ، وذكر جوامع ما نزل به بعدُ ومن يتولّى دفنه ، فأحسن إليه [عثمان] (٢) في داره أيّاماً ، ثمّ دخل إليه فجلس على ركبتيه وتكلّم بأشياء ، وذكر الخبر في ولد أبي العاص : «إذا بلغوا ثلاثين رجلاً اتّخذوا عباد الله خولاً». ومرّ في الخبر بطوله وتكلّم بكلام كثير ، وكان
__________________
(١) البقرة : ١٧٧.
(٢) من المصدر.