في ذلك اليوم قد أُتي عثمان بتركة عبد الرحمن بن عوف الزهري من المال فنضت (١) البدر حتى حالت بين عثمان وبين الرجل القائم ، فقال عثمان : إنّي لأرجو لعبد الرحمن خيراً لأنّه كان يتصدّق ويقري الضيف وترك ما ترون. فقال كعب الأحبار : صدقت يا أمير المؤمنين ، فشال أبو ذر العصا فضرب بها رأس كعب ولم يشغله ما كان فيه من الألم وقال : يا ابن اليهوديّ تقول لرجل مات وترك هذا المال إنّ الله أعطاه خير الدنيا وخير الآخرة ، وتقطع على الله بذلك وأنا سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «ما يسرُّني أن أموت وأدع ما يزن قيراطاً» فقال له عثمان : وارِ عنّي وجهك. فقال : أسير إلى مكة. قال لا والله. قال : فتمنعني من بيت ربّي أعبده فيه حتى أموت؟ قال : أي والله. قال : فإلى الشام. قال : لا والله. قال : البصرة. قال : لا والله فاختر غير هذه البلدان. قال : لا والله ما أختار غير ما ذكرت لك ، ولو تركتني في دار هجرتي ما أردت شيئاً من البلدان ، فسيّرني حيث شئت من البلاد. قال : فإنّي مُسيّرك إلى الربذة. قال : الله أكبر صدق رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قد أخبرني بكلّ ما أنا لاقٍ. قال عثمان : وما قال لك؟ قال : أخبرني بأنّي أُمنع عن مكة والمدينة وأموت بالربذة ، ويتولّى مواراتي نفر ممّن يردون من العراق نحو الحجاز. وبعث أبو ذر إلى جمل له فحمل عليه امرأته وقيل ابنته ، وأمر عثمان أن يتجافاه الناس حتى يسير إلى الربذة. فلمّا طلع عن المدينة ومروان يسيّره عنها ، إذ طلع عليه عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه ومعه ابناه وعقيل أخوه وعبد الله بن جعفر وعمّار بن ياسر ، فاعترض مروان فقال : يا عليّ إنّ أمير المؤمنين قد نهى الناس أن يصحبوا أبا ذر في مسيره ويشيّعوه ، فإن كنت لم تدرِ بذلك فقد أعلمتك. فحمل عليه عليُّ بن أبي طالب بالسوط [وضرب] (٢) بين أُذني راحلته وقال : «تنحّ نحّاك الله إلى النار» ومضى مع أبي ذر فشيّعه ثمّ ودّعه وانصرف. فلمّا أراد الانصراف بكى أبو ذر وقال : رحمكم الله أهل البيت إذا رأيتك يا أبا الحسن
__________________
(١) نضّت : أي ظهرت ، وفي الطبعة المعتمدة لدينا من مروج الذهب : فنثرت.
(٢) من المصدر.