كان هؤلاء الذين ذكرناهم ممّن جمعوا من غير حلّه ، وادّخروا على غير حقّه ، ولم يؤدّوا المفترض ممّا استباحوه من المال واكتنزوه ، ولذلك لم يوجّه نكيره إلى أُناس آخرين من زملائه ومعاصريه من أهل اليسار كقيس بن سعد بن عبادة الأنصاري الذي كان يهب غير الحقوق الواجبة عليه آلافاً مؤلّفة ، وقد عرفت شطراً من يساره في الجزء الثاني (٨٥ ـ ٨٨).
وكأبي سعيد الخدري الذي كان يقول : ما أعلم أهل بيت من الأنصار أكثر أموالاً منّا (١).
وكعبد الله بن جعفر الطيّار الذي دوّخ الأجواء ذكر ثروته وعطاياه وقد فصّلها ابن عساكر في تاريخه (٢) (٧ / ٣٢٥ ـ ٣٤٤) وغيره.
وعبد الله بن مسعود الذي خلّف تسعين ألفاً كما في صفة الصفوة.
وحكيم بن حزام الذي كانت بيده دار الندوة فباعها من معاوية بمائة ألف درهم ، فقال له عبد الله بن الزبير : بعت مكرمة قريش. فقال حكيم : ذهبت المكارم إلاّ التقوى يا ابن أخي ، إنّي اشتريت بها داراً في الجنّة أُشهدك أنّي قد جعلتها في سبيل الله. وحجّ حكيم ومعه مائة بدنة قد أهداها وجلّلها الحبرة (٣) ؛ ووقف مائة وصيف يوم عرفة في أعناقهم أطوقة الفضّة قد نقش في رءوسها : عتقاء الله عزّ وجلّ عن حكيم. وأعتقهم ، وأهدى ألف شاة (٤).
إلى أُناس آخرين لدة هؤلاء من أهل اليسار. فلم تسمع أُذن الدنيا أنّ أبا ذر وجّه إلى أحد من هؤلاء الأثرياء لوماً لأنّه كان يعلم بأنّهم اقتنوها من طرقها
__________________
(١) صفة الصفوة لابن الجوزي : ١ / ٣٠٠ [١ / ٧١٥ رقم ١٠٥]. (المؤلف)
(٢) تاريخ مدينة دمشق : ٢٧ / ٢٤٨ ـ ٢٩٨ رقم ٣٢٢٢ ، وأنظر : المنتظم : ٦ / ٢١٤ رقم ٤٧٧.
(٣) الحِبَرَة والحَبَرَة : ضربٌ من البرود اليمانية.
(٤) صفة الصفوة لابن الجوزي : ١ / ٣٠٤ [١ / ٧٢٥ رقم ١٠٩]. (المؤلف)