المشروعة وأدّوا ما عليهم منها وزادوا ، وراعوا حقوق المروءة حقّ رعايتها ، وما كان يبغي بالناس إلاّ هذه.
لما ذا يرى أبو ذر بناء معاوية الخضراء في دمشق فيقول : يا معاوية إن كانت هذه الدار من مال الله فهي الخيانة ، وإن كانت من مالك فهذا الإسراف. فسكت معاوية. ويقول أبو ذر : والله لقد حدثت أعمال ما أعرفها ، والله ما هي في كتاب الله ولا سنّة نبيّه ، والله إنّي لأرى حقّا يطفأ ، وباطلاً يُحيى ، وصادقاً يكذّب ، وأثرة بغير تقى ، وصالحاً مستأثراً عليه (١).
ويرى بناء المقداد داره بالمدينة بالجرف وقد جعلها مجصّصة الظاهر والباطن كما في مروج الذهب (٢) (١ / ٤٣٤) فلا ينكره عليه ولا ينهاه عنه ولا ينبس ببنت شفة ، وليس ذلك إلاّ لما كان يراه من الفرق الواضح بين المالين والبناءين وصاحبيهما.
وأمّا وجوب إنفاق المال الزائد على القوت كلّه الذي عزاه إلى سيّدنا أبي ذر المختلقون فمن أفائكهم المفتريات ، لم يدَّعه أبو ذر ولا دعا إليه ، وكيف يكون ذلك وأبو ذر يعي من شريعة الحقّ وجوب الزكاة؟ وهل يمكن ذلك إلاّ بعد اليسار والوفر الزائد على المؤن؟ والله سبحانه يقول : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ) (٣) وفي تنكير الصدقة و (من) التبعيض دلالة على أنّ المأخوذ بعض المال لا كلّه.
على أنّ النُصب الزكويّة المضروبة في النقدين والأنعام والغلاّت كلّها نصوص على أنّ الباقي من المال مباح لأربابه ، ولأبي ذر نفسه في آداب الزكاة أحاديث أخرجها البخاري ومسلم وغيرهما من رجال الصحاح وأحمد والبيهقي وغيرهم.
فلو كان يجب إنفاق بعد إخراج الزكاة فما معنى التحديد بالنصب والإخراج
__________________
(١) راجع ما مرّ : ص ٣٠٤. (المؤلف)
(٢) مروج الذهب : ٢ / ٣٥١.
(٣) التوبة : ١٠٣.