منها؟ وهذا معنى واضح لا يخفى على كلّ مسلم ، فضلاً عن مثل أبي ذر الذي هو وعاء العلم والمحيط بالسنّة الشريفة.
ولو كانت على المكلّف بقيّة من الواجب بعد الزكاة لم يؤدّها فما معنى الفلاح؟ الذي وصف الله تعالى به المؤمنين : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ) (١).
وليت شعري إن كان من المفترض إنفاق كلّ ما للإنسان من المال بعد المؤن فبما ذا يحترف أو يمتهن؟ وليس عنده فاضل على المؤن. أبما ادّخره لقوته؟ أم بما رجع عنه بخفّي حنين؟ وممّا ذا يخرج الزكاة؟ فيسدّ بها خلّة الضعفاء ويقتات هو في مستقبله الذي هو أوان فاقته. أمن المحتمل أنّ أبا ذر كان يوجب ترك كلّ هذه ويريد أن تكون الدنيا مشحونة بالعفاة المتكفّفين؟ فلا يرى المتسوّل إلاّ شحّاذاً مثله ، ولا يجد العافي مُنتجعاً لكشف كربته وتسديد إعوازه إن دامت الحالة على ما يُتقوّل به على أبي ذر سنة أو دون سنة.
تالله لا يبغي أبو ذر بالمجتمع الديني هذه الضعة وهو لا يحبّ لهم إلاّ الخير كلّه ، ولا يريد هذا أيّ مصلح أو صالح في نفسه ، فضلاً عن أبي ذر المعدود في علماء الصحابة ومصلحيهم وصلحائهم.
نعم ؛ غضب أبو ذر لله كما قاله مولانا أمير المؤمنين (٢) وغضب للمسلمين حيث رأى فيئهم مدّخراً عنهم تتمتّع به سماسرة النهمة والجشع.
يرى فيئهم في غيرهم متقسّماً |
|
وأيديَهُمْ من فيئِهمْ صَفِراتِ |
فكان كلّ ما انتابه من جرّاء هذا الأخذ والرد بعين الله وفي سبيله كما عهد إليه
__________________
(١) المؤمنون : ١ ـ ٤.
(٢) راجع : ص ٣٠٠ من هذا الجزء. (المؤلف)