عليه علماء التفسير وحفّاظ الحديث ، ومع ذلك لم يدعها سبحانه على ما يتوهّم منها من جمعها المضاف حتى جعل لها حدّا بقوله عزّ وجلّ : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى) عُنُقِكَ وَلَا تَبسُطْهَا كُلَّ البَسطِ فَتَقعُدَ مَلُوماً مَحسُورا) ، الإسراء : ٢٩. وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) ، الفرقان : ٦٧.
أترى أنّ أبا ذر ـ سلام الله عليه ـ عزب عنه كلّ هذه الآيات الكريمة والأُصول المسلّمة؟ أو كان له رأي خاصّ في تأويلها تجاه الحقائق الراهنة حتى جاء بعد لأي من عمر الدنيا رعرعة تجشّأهم الدهر فقاءهم وقفوا على تلكم الكنوز المخيّأة؟!
ولو كان لأبي ذر أدنى شذوذ عن الطريقة المثلى في حكم إلهي ، شذوذاً يخلّ بنظام المجتمع ويقلق السلام والوئام ، وتكثر حوله القلاقل ، وفيه إثارة العواطف والإخلال بالأمن أو التزحزح عن مبادئ الإسلام ، لكان مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام أوّل من يردعه ويحبسه عن قصده السيّئ وأبو ذر أطوع له من الظلّ لذيه ، لكنّه عليهالسلام بدلاً عن ذلك يقول : «غضبتَ لله فارجُ من غضبت له». ويقول : «والله ما أردتُ تشييع أبي ذر إلاّ لله». ويقول لعثمان : «اتّق الله فإنّك سيّرت رجلاً صالحاً من المسلمين فهلك في تسييرك». وأمير المؤمنين من تعرفه بتنمّره في ذات الله لا تأخذه في الله لومة لائم ، وهو مع الحقّ والحقّ معه في كلّ ما يقول ويفعل.
وهل ترى أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مع أنّه كان يعلم أنّ أبا ذر سوف ينوء في أُخرياته بدعوة باطلة كهذه طفق ينوّه به ، ويعرّفه بين الملأ بصفات فاضلة تكبر مقامه ، وتعظّم مكانته عند الجامعة (١) ، وتمكّنه من القلوب الصالحة؟ ويقول عمر
__________________
(١) أي : المجتمع الإسلامي.