فيخبط الجوّ ويعكّر الصفو. فقصارى ما فيه أنّ أبا ذر وجد معاوية متذرّعاً بهذه التسمية إلى الحيف في أموال المسلمين والتقلّب فيها على حسب الميول والشهوات بإيهام أنّ المال مال الله ، فهو مباح لعبيده يتصرّف كلّ منهم فيه كيف شاء ويتملّك منه ما شاء كالمباحات الأصليّة ، فأراد أبو ذر أن يدحر حجّته الداحضة ورأيه الضئيل بأنّ المال للمسلمين كافّة بأمر من مالكه الأصليّ جلّت آلاؤه ، فليس لأحد أن يستبدّ بشيء منه دونهم ، ويستغلّه بحرمانهم واكتناز الذهب والفضّة ، وفيهم أمسّ الحاجة إلى مقدّراتهم.
ويُعرب عن رأي معاوية ما جرى بينه وبين صعصعة بن صوحان ، رواه المسعودي في مروج الذهب (١) (٢ / ٧٩) من طريق إبراهيم بن عقيل البصري ، قال : قال معاوية يوماً وعنده صعصعة وكان قدم عليه بكتاب عليّ وعنده وجوه الناس : الأرض لله ، وأنا خليفة الله ، فما آخذ من مال الله فهو لي ، وما تركت منه كان جائزاً لي ، فقال صعصعة :
تمنّيك نفسك ما لا يكو |
|
ن جهلاً معاويُ لا تأثم |
فهذا الحوار بين أبي ذر ومعاوية في منتأى عن إثبات المالكيّة ونفيها ، وليس فيه إلى المبدأ الاشتراكيّ أيّ طرف رامق ، وتُعرب عن رأي معاوية خطبة الأرحبي المذكورة (ص ٣٤٤).
ومن كلمات أبي ذر قوله لمعاوية لمّا بعث إليه بثلاثمائة دينار : إن كانت من عطائي الذي حرمتمونيه عامي هذا قبلتها ، وإن كانت صلة فلا حاجة لي فيها.
فإنّك تشهد هاهنا أبا ذر يقسّم المال إلى العطاء المفترض الذي منع منه عامه ذلك ـ لأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ـ وإلى المال المملوك الذي يُخرج منه الصلة
__________________
(١) مروج الذهب : ٣ / ٥٣.