مذهب أبي ذر الذي حسبته مخالفاً لجمهور الصحابة والتابعين ، وقد أسلفنا لك جملة ممّا أثر عنه في ذلك ، وليس في شيء منه أيّ دلالة على ما ادّعته من العزو المختلق ، وليتها بيّنت العلماء الذين تصدّوا لنقض مذهب أبي ذر ، وأشارت إلى ما جاءوا به في تدعيم حجّتهم ، ولعلّها أرادت بهم المؤرّخ محمد الخضري ، وأحمد أمين ، وصادق إبراهيم عرجون ، وعمر أبي نصر ، ومحمد أحمد جاد المولى بك ، وعبد الحميد بك العبادي ، وأمثالهم من المحدثين المتسرّعين الذين مُنيت بهم البلاد والعباد.
وأسلفنا لك أيضاً قول عظماء الصحابة في أبي ذر وموافقتهم له على حقيقة رأيه ، واستيائهم لما نكب به من جرّاء ذلك ، وإجماع صلحائهم على أنّ ما جاء به كان رأياً صحيحاً دينيّا محضاً مستفاداً من الكتاب والسنّة.
وعجيب استغرابها مذهب أبي ذر وهي لا تعرفه ، وأعجب منه اعتذارها له ببعده عن مبادئ الإسلام وعمّا هو الحقّ الظاهر الواضح مع قولها باجتهاد أبي ذر ، أيّ اجتهاد هذا من عيلم أخذ المبادئ من مشرّعها يبعد حامله عن مبادئ الإسلام وعمّا هو الحقّ الظاهر الواضح؟ نعم ؛ كم وكم عند القوم من المجتهدين البعيدة آراؤهم عن مبادئ الإسلام كابن ملجم قاتل الإمام أمير المؤمنين ، وأبي الغادية قاتل عمّار ، وابني هند والنابغة قائدي الفئة الباغية ، وأمثالهم (١) لكن شتّان بين هؤلاء وسيّد غفار!
أوَليس ممّا يُضحك الثكلى ويبكي كلّ مسلم أن يُحسب أنّ مذهب أبي ذر بعيد عن مبادئ الإسلام وعمّا هو الحقّ الظاهر الواضح؟ وهو الذي لم يعبد الصنم قبل إسلامه وصلّى سنين قبل المبعث الشريف مولّياً وجهه إلى الله وهو محسن ، وهو ربع الإسلام ورابع المسلمين ، وقد طوى جُلّ سنيّه على عهد النبوّة في صحبة الرسول الأعظم ولم يفتأ متعلّماً منه ، مصيخاً إلى كلّ ما يدعو إليه ويهتف به ، فتنتقش كلّ تلكم
__________________
(١) ممّن أسلفنا ذكرهم في الجزء السابع : ص ١٠٥ ، ١٠٦. (المؤلف)