المثل العليا في نفسه كما تنتقش الصور في المرآة الصافية ، بل تثبت فيها كما تثبت في العدسة اللاقطة.
كان صلىاللهعليهوآلهوسلم يدنيه دون الصحابة إذا حضر ويتفقّده إذا غاب ، وكان شحيحاً على دينه حريصاً على العلم ، وقد سأل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن كلّ شيء حتى عن مسّ الحصى في الصلاة ، وقد صبّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في صدره ما صبّه جبريل وميكائيل في صدره صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وعرّفه صلىاللهعليهوآلهوسلم لأمته بأنّه شبيه عيسى هدياً وسمتاً ونسكاً وبرّا وصدقاً وخلقاً وخُلقاً (١).
وما ظنّك برجل قال فيه باب مدينة علم النبيّ مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام لمّا سُئل عنه : «وعاء ملئ علماً ثمّ أوكى (٢) عليه» (٣).
أو ليس من العجب العجاب أنّ من هو هكذا وهو في عهد النبوّة لم يزل في مدينة الرسول يتلقّى منه صلىاللهعليهوآلهوسلم كلّ إفاضاته ، ويستقي من مستقى الوحي يكون مذهبه بعيداً عن مبادئ الإسلام وعمّا هو الحقّ الواضح ، ويكون رأي كعب الأحبار اليهوديّ حديث العهد بالإسلام أو من بعده بعد لأي من عمر الدهر ـ وقد نمى وترعرع وشبّ وشاب في عاصمة الفراعنة يوم غشيت الحقائق ظلمات بعضها فوق بعض ـ قريباً منها ، ويكون صاحبه عارفاً بها حاكماً على مثل أبي ذرّ بما حكم؟! كأنّ الحقائق الإسلاميّة نصب عينه دون سيّد غفّار ، أو معلّقة على شحمة أُذنه يسمع رنّتها دون ذلك الصحابيّ العظيم!
هب أنّا تنازلنا للّجنة الحاكمة عن كلّ ما قلناه ، ولكن هل يسعنا التغاضي عمّا جاء به الحفّاظ وأئمّة الحديث من طرق صحيحة عن نبيّ الإسلام صلىاللهعليهوآلهوسلم في إطراء
__________________
(١) راجع في كلّ ذلك صفحة : ٣١٢ ـ ٣١٦ من هذا الجزء. (المؤلف)
(٢) يقال : أوكى القربة وأوكى عليها إذا شدها.
(٣) راجع : ص ٣١١ من هذا الجزء. (المؤلف)