نعم هذا هو الصحيح كما قدّمناه في صفحة (٣٣٥) ويعرفه كلّ من سبر التاريخ والحديث. إذن فليس من المتسالم عليه ما حاوله ابن حجر في ملخّص قوله وتحرّته اللجنة في حكمها والاستشهاد بكلامه ، مثل هذا الأساس لا تبنى عليه برهنة ، ولا يصحّ به حكم لأيّ إنسان أو عليه ، لكنّ ابن حجر قال ، واللجنة حكمت ؛ والقوّة نفّذت ذلك الحكم ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
هؤلاء شهود اللجنة الحاكمة ، وقد اختبرت أنت أيّها القارئ حالهم ومقالهم ، إذن فما ظنّك بما ابتنوه على ذلك من شفا جرفٍ هارٍ؟ (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ) (١).
هاهنا أكرّر مخاطبة اللجنة بأنّ دليلها في إثبات شيوعيّة أبي ذر غير ناهضة لإثبات ما ترتئيه ، لأنّ نظريّة أبي ذر على ما ادّعته هي وجوب إنفاق ما فضل عن حاجة الإنسان ، ومقتضاه أنّه يملك التصرّف في قدر الحاجة ، والشيوعيّ لا يقول بذلك وإنّما يحاول إلغاء الملكيّة رأساً ، ثمّ إنّ الحكومة الشيوعيّة تدرّ عليه قدر الحاجة أو بمقدار العمل صوناً لحياته فهو كالأجير عندها يقتات بما يعمل أو كعائلتها تسدّ عيلتها بمقدار خلّتها ، على ما قدّمناه من أنّ رأي أبي ذر لا يستوعب المال كلّه وإنّما يريد الإخراجات الواجبة وما تدعو إليه العاطفة البشريّة والمروءات من الأعطيات المندوبة ، فاللجنة لم تعط النصفة حقّها في إسناد ما أسندته إلى أبي ذر ؛ كما أنّها لم تؤدّ حقّ الردّ على الشيوعيّة الممقوتة ، فهي مائنةٌ فيما تقول خبريّا أو مخبريّا ، وجائرة في حكمها من حيث لا تشعر.
كان حقّا علينا أن ننظر في بقيّة الكلمات المقولة في شيوعيّة أبي ذر على وجه التفصيل ككلمة الخضري في المحاضرات (٢ / ٣٦ ، ٣٧) وعبد الحميد بك العبادي عميد كليّة الآداب في صور من التاريخ الإسلامي (ص ١٠٩ ـ ١١٣) تحت عنوان : أبو ذر
__________________
(١) سورة ق : ٤٥.