أوج عظمته وانكفأ عن صهوة علمه ، وتنازل عن مبادئه المقدّسة ، وأنّه لا يعتنق ذلك المذهب عالم وإن قلّت بضاعته ، وضعفت مُنّته العلميّة.
أنّى يهتف بالشيوعيّة ويعتنقها من وقف واطّلع على ما جاء به الإسلام المقدّس في تأمين مؤن الفقراء وسدّ عيلتهم ، وما وطّد من مشارع تُخفّف عنهم ما يبهضهم من عبء حزانتهم ، وما شرّع لهم من منابع الحياة الماديّة في أموال الأغنياء ، بقدر ما يسعهم كما أخبر به النبيّ الأعظم بقوله : «إنّ الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم بقدر الذي يسع فقراءهم ، ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا وعروا إلاّ بما يصنع أغنياؤهم ، ألا وإنّ الله يحاسبهم حساباً شديداً ويعذّبهم عذاباً أليماً» (١). فبعد ترصيف السياسة الماليّة على أحسن نظام وأرقى منهج وتعبئة ما يسدّ خلّة الفقراء ، سدّ عليهم أبواب السؤال والتكدّي وشدّد النكير عليهما بمثل قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّ المسألة لا تصلح إلاّ لثلاث : لذي فقر مُدقع ، أو لذي غرم مُفظع ، أو لذي دم موجع» (٢). ورغّبهم إلى الاستعفاف والاستغناء عن الناس بكلّ ما تيسّر من العمل بقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لَأن يأخذ أحدكم حبلاً فيأتي الجبل فيجيء بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها فيستغني بها خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه» (٣) وقرّر على أهل اليسار للفقراء والمساكين حقوقاً محدودة من شتّى النواحي بعناوين مختلفة كرواتب سنويّة أو كجراية شهريّة تتعلّق بالأنعام والغلاّت والنقدين وأرباح المكاسب والركاز والمعادن
__________________
(١) أخرجه الطبراني في الأوسط [٤ / ٣٥٣ ح ٣٦٠٣] والصغير [١ / ١٦٢] كما في الترغيب والترهيب : ١ / ٢١٣ [١ / ٥٣٨] ، وروي موقوفاً على أمير المؤمنين كما مرّ : ص ٢٥٦. (المؤلف)
(٢) الترغيب والترهيب : ١ / ٢٣٣ [١ / ٥٩١] نقلاً عن أبي داود [في السنن : ٢ / ١٢٠ ـ ١٢١ ح ١٦٤١] ، والبيهقي في السنن [٧ / ٢٥]. (المؤلف)
(٣) صحيح البخاري : ٣ / ٣٤ [٢ / ٥٣٥ ح ١٤٠١] ، صحيح مسلم : ٣ / ٩٧ [٢ / ٤١٧ ح ١٠٧ كتاب الزكاة] ، سنن البيهقي : ٤ / ١٩٥ ، الترغيب والترهيب : ١ / ٢٣٣ [١ / ٥٩٢]. (المؤلف)