وإنّ الدموع تتحادر حتى يستيقظ النبيّ الذي تنام عينه ولا ينام قلبه (١) فينجي صاحبه الذي اختاره لصحبته من لسعة الحيّات والأفاعي.
وهل من العدل والعقل والمنطق أن يحفظ الله نبيّه عن كلّ هاتيك النوازل؟ ويري له في الدرء عنه آية بعد آية في سويعات ؛ من ستره عن أعين مشركي قريش لمّا مرّ بهم من بين أيديهم ، وإنباته شجرةً في وجهه تستره بها ، وإيقاعه حمامتين وحشيّتين بفم الغار ، ونسج العناكيب باب الغار بأمر منه تعالى شأنه (٢) ، ويدع صاحبه الذي اتّخذه بأمره ، وتفانى في حبّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وعرّض نفسه للمهالك دونه بدخوله الغار قبله ، فلم يدفع عنه لدغ الحيّات والأفاعي ، ولا يرحمه في تلك الحالة التي تكسر القلوب ، وتشجي الأفئدة ، وينظر إليه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ويقول له : لا تحزن إنّ الله معنا. والمسكين يبكي وتسيل دموعه.
وهلاّ كان يعلم أبو بكر أنّ الله الذي أمر نبيّه بالهجرة وأدخله الغار يكلؤه عن لدغ الحيات والأفاعي بقدرته كما أعمى عنه عيون البشر الضاري ، وقصّر عن النيل منه مخالب تلك الفئة الجاهلة؟
وهلاّ كان يؤمن بأنّ صاحبه المفدّى لو اطّلع على حاله لينجيه بمسحة مسيحيّة أو بدعوة مستجابة ، فكلّ ما حُكي عنه لما ذا؟
نعم ؛ أعمى الحبّ مختلق الرواية وأصمّه فجاء بالتافهات غلوّا في الفضائل.
__________________
(١) أخرج الشيخان في الصحيحين [صحيح البخاري : ١ / ٣٨٥ ح ١٠٩٦ ، صحيح مسلم : ٢ / ١٧٤ ح ١٢٥ كتاب صلاة المسافرين] مرفوعاً : «إنّ عينيّ تنامان ولا ينام قلبي» ، وأخرجا أيضاً [صحيح البخاري : ٣ / ١٣٠٨ ح ٣٣٧٧ ، صحيح مسلم : ٢ / ١٩٧ ح ١٨٦ بلفظ : أن النبيّ ٦ تنام عيناه ولا ينام قلبه] مرفوعاً : «إن الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم». (المؤلف)
(٢) طبقات ابن سعد : ١ / ٢١٣ [١ / ٢٢٩] ، الخصائص الكبرى : ١ / ١٨٥ ، ١٨٦ [١ / ٣٠٦]. المؤلف)