اختصاصه صلىاللهعليهوآلهوسلم بجواز لعن من شاء بغير سبب ـ ، وقال القسطلاني (١) ( ١ / ٣٩٥ ) : كان له صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يقتل بعد الأمان ، وأن يلعن من شاء بغير سبب ، وجعل الله شتمه ولعنه قربة للمشتوم والملعون لدعائه عليهالسلام. ألا يضحك ضاحكٌ على عقليّة هذا الأرعن ؟ وأنّه كيف يكون ذلك وقد فرض أنَّ مصبَّ هاتيك الطعون مستوجبٌ للرحمة والحنان بالدعوة اللاحقة إيّاها ؟ فما المجوِّز لنبيِّ الرحمة هتك ستار أُولئك وفضحهم على ملأٌ من الأشهاد من غير استحقاق على مرِّ الدهور ؟ وهل الدعاء الأخير يرفع عنهم شية العار الملحقة بهم من الدعوة الأولى ؟ وهل لإباحة تلكم الفواحش التي هي بذاتها فاحشة وقبائح عقليّة لا تقبل التخصيص لصاحب الرسالة معنى معقول ؟ وهل هتك حرمات المؤمنين مع حفظ الوصف لهم والمبدأ فيهم ممّا يُستباح لأحد نبيّاً كان أو غيره ؟! أمّا أنا فلا أعرفه ، وأحسب أنَّ من ذهب إلى ذلك أيضاً مثلي في الجهل.
وهلّا كان لرسول الله والحالة هذه أن ينصَّ بعد ما سبَّ من لا يستحقُّ أو لعنه أو جلده أو دعا عليه ، وبعد ما هدأت ثورة غضبه وأطفأ نيران سخطه على أنّ ذلك وقع في غير محلّه ، حتى لا يدنّس ساحة الأبرياء طيلة حياتهم بشية العار ووسمة الشنار ، ولا يُشوّه سُمعة أُناس نزهين في الملأ الدينيِّ أبد الدهر ؟
وهلّا كان للصحابة أن يستفهموا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم جليّة الحال في كلِّ تلكم الموارد ليعرفوا وجه ما أتى به من الهتيكة : هل وقع في أهله ومحلّه ؟ حتى لا يتّخذوا فعله مدركاً مطّرداً في الوقيعة والتحامل ، ولا يزري أحدٌ أحداً جهلاً منه بالموضوع اقتفاءً لأثره صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وهلّا كان لمثل أبي سفيان ومعاوية والحَكم ومروان وبقيّة ثمرات الشجرة الملعونة في القرآن ونظرائهم الملعونين بلسان النبيّ الأقدس أن يحتجّوا برواية مسلم
___________________________________
(١) المواهب اللدنيّة : ٢ / ٦٢٥.