دع الأباطيل ولا تشطط في القول فمن لعنه صلىاللهعليهوآلهوسلم فهو ملعون ، ومن سبّه فهو مستأهل لذلك ، ومن جلده فإنَّ ذلك من شرعه المبين ، ومن دعا عليه أخذته الدعوة ، وهل يجد ذو خبرة مصداقاً لتلك المزعمة المخزية ويسع له أن يستشهد بسبِّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أحداً من صلحاء أُمّته كائناً من كان ممّن لا يستحقُّ السبَّ أو بلعنه وجلده إيّاه ودعوته عليه ؟ حاشا النبي المبعوث لتتميم مكارم الأخلاق من هذه الفرية الشائنة.
وإن صحّت هذه المزعمة لتطرّق الوهن في أفعاله وأقواله وفي قضائه وحدوده ، فلا يعلم الإنسان أنّها بحافز إلهيّ ، أو اندفاع إلى شهوة وإطفاء ثورة الغضب ، وأيّ نبيّ معصوم هذا ؟ وكيف تُتّبع سنّته ؟ ويُقتفى أثره عندئذٍ ؟ وفي أيٍّ من حالتيه هو مقتدى البشر وحجّة الخلق وقدوة الأُمم ؟ وما المائز بينه وبين أُمّته وكلٌّ يستحوذ عليه الغضب ، ويقوده الهوى ، وكان لأيّ أحد أسوة برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يقول مثل ذلك حين يقع في المسلمين بالسباب وينال منهم باللعن فتنقلب المعصية بتلك الدعوة اللاحقة طاعة وبرّاً وكفّارة وقربة.
ومن هنا بلغت القحّة والصلف من ابن حَجر إلى أن تمسّك بذيل حديث مسلم المثبت ما لا يقبله العقل والمنطق وتأباه الأُصول الدينيّة المسلّمة ، فمنع بذلك عن لعن الحَكم لعين رسول الله وطريده وابنه الوزغ ابن الوزغ (١).
وللقوم في هذا المقام تصعيدات وتصويبات ، أو قل : خرافات ومخازٍ مثل ما حكي عن بعضهم (٢) : أنَّ ظاهر هذا الحديث يُعطينا إباحة تلكم المحظورات للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فحسب ، وعدّ السيوطي (٣) من خصائص رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ باب
___________________________________
(١) الصواعق المحرقة : ص ١٠٨ [ ص ١٨١ ]. ( المؤلف )
(٢) الخصائص الكبرى للسيوطي : ٢ / ٢٤٤ [ ٢ / ٤٢٥ ] ، المواهب اللدنيّة : ١ / ٣٩٥ [ ٢ / ٦٢٥ ].
( المؤلف )
(٣) راجع الخصائص الكبرى : ٢ / ٢٤٤ [ ٢ / ٤٢٥ ]. ( المؤلف )