قال الأميني : إنَّ الحريَّ بعرفان معاوية ومكانته من الفضيلة هم أُولئك الذين عاصروه وشاهدوه من كثب ، والذين رأوا بوائقه واطّلعوا على مخازيه بين ثنايا المشاهدة ، والذين أدركوا أصله ومحتده وعرفوا نفسيّاته وملكاته ، ولن تجد فيهم رجل صدق يقيم له وزناً أو يرى له كرامة ، ويحقُّ أن تسألهم عنه ، لا ابني حنبل ومبارك اللذين أوفر حظّهما من أخبار معاوية السماع أو ركوب العصبيّة العمياء ، وأنت إذا أمعنت النظرة فيما أسلفناه ممّا قيل فيه وذكر عنه ظهرت لك جليّة الحال وعرفت البون الشاسع بين كلمة الرجلين وبين هاتيك الكلم الجوامع المعربة عن حقيقة الرجل وعُجره وبُجره.
٣٧ ـ قال بعض السلف : بينا أنا على جبل بالشام إذ سمعت هاتفاً يقول : من أبغض الصدّيق فذاك زنديق ، ومن أبغض عمر فإلى جهنّم زمراً ، ومن أبغض عثمان فذاك خصمه الرحمن ، ومن أبغض عليّاً فذاك خصمه النبيُّ ، ومن أبغض معاوية سحبته الزبانية إلى جهنّم الحامية ، يرمى به في الحامية الهاوية.
تاريخ ابن كثير (١) ( ٨ / ١٤٠ ).
عجباً لبيئة دمشق التي لا تربِّي إلّا الروح الأمويّة الممقوتة هي وأهلها وضواحيها وجبالها ، ومن يهتف بها من شيطان مريد أو إنسان عنيد ، أو مشاغب عن الحقِّ والصلاح بعيد ، وبُعداً لمن يحتجّ في أُمور الدين بالهاتف المجهول ، وطيف الخيال الممجوج ، ويضرب عن الحقائق الراهنة صفحاً ، ويطوي عن البرهنة الصادقة كشحاً.
٣٨ ـ قال بعضهم : رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وعنده أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية إذ جاء رجلٌ فقال عمر : يا رسول الله هذا يتنقّصنا فكأنَّه انتهره رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : يا رسول الله إنّي لا أتنقّص هؤلاء ولكن هذا ـ يعني معاوية ـ فقال : ويلك ! أوَليس هو من أصحابي ؟ قالها ثلاثاً. ثم أخذ رسول الله حربةً فناولها معاوية
___________________________________
(١) البداية والنهاية : ٨ / ١٤٩ حوادث سنة ٦٠ هـ.