بعث بُسر بن أرطاة بعد تحكيم الحكمين ، وعليّ بن أبي طالب رضياللهعنه يومئذٍ حيٌّ ، وبعث معه جيشاً آخر ، ووجّه برجل من عامر ضمّ إليه جيشاً آخر ، ووجّه الضحّاك ابن قيس الفهري في جيش آخر ، وأمرهم أن يسيروا في البلاد فيقتلوا كلّ من وجدوه من شيعة علي بن أبي طالب عليهالسلام وأصحابه ، وأن يغيروا على سائر أعماله ، ويقتلوا أصحابه ، ولا يكفّوا أيديهم عن النساء والصبيان. فمرّ بُسر لذلك على وجهه حتى انتهى إلى المدينة فقتل بها ناساً من أصحاب عليّ عليهالسلام وأهل هواه ، وهدم بها دوراً ، ومضى إلى مكة فقتل نفراً من آل أبي لهب ، ثم أتى السراة فقتل من بها من أصحابه ، وأتى نجران فقتل عبد الله بن عبد المدان الحارثي وابنه ، وكانا من أصهار بني العبّاس عامل عليّ عليهالسلام ، ثم أتى اليمن وعليها عبيد الله بن العبّاس عامل علي بن أبي طالب وكان غائباً ، وقيل : بل هرب لمّا بلغه خبر بُسر فلم يصادفه بُسر ووجد ابنين له صبيَّين فأخذهما بُسر لعنه الله (١) وذبحهما بيده بمدية كانت معه ، ثم انكفأ راجعاً إلى معاوية.
وفعل مثل ذلك سائر من بعث به ، فقصد العامري إلى الأنبار فقتل ابن حسّان البكري وقتل رجالاً ونساءً من الشيعة ، قال أبو صادقة (٢) : أغارت خيلٌ لمعاوية على الأنبار فقتلوا عاملاً لعليّ عليهالسلام يقال له : حسّان بن حسّان ، وقتلوا رجالاً كثيراً ونساءً ، فبلغ ذلك عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه فخرج حتى أتى المنبر فرقيه فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ثم قال :
« إنَّ الجهاد بابٌ من أبواب الجنّة ، فمن تركه ألبسه الله ثوب الذلّة ، وشمله البلاء ، وريب بالصغار وسيم الخسف ، وقد قلت لكم : أغزوهم قبل أن يغزوكم فإنَّه لم يُغْزَ قومٌ قطُّ في عُقر دارهم إلّا ذلّوا. فتواكلتم وتخاذلتم وتركتم قولي وراءكم ظهريّاً ،
___________________________________
(١) كذا جاء في غير موضع من لفظ الحديث. ( المؤلف )
(٢) أخرجه أبو الفرج مسنداً. حذفنا إسناده روماً للاختصار [ الأغاني : ١٦ / ٢٨٦ ـ ٢٨٧ وفيه : عن أبي صادق ]. ( المؤلف )