حتى شنّت عليكم الغارات ، هذا أخو غامِدٍ قد جاء الأنبار فقتل عاملها حسّان ابن حسّان وقتل رجالاً كثيراً ونساءً ، والله بلغني أنّه كان يأتي المرأة المسلمة والأخرى المعاهَدَة فينزع حجلها ورعاثها ثم ينصرفون موفورين لم يكلم أحدٌ منهم كلماً ، فلو أنَّ امرأً مسلماً مات دون هذا أسفاً لم يكن عليه ملوماً بل كان به جديراً » (١) الحديث.
أصاب أُمّ حكيم بنت قارظ ـ زوجة عبيد الله ـ ولهٌ على ابنيها فكانت لا تعقل ولا تصغي إلّا إلى قول من أعلمها أنَّهما قد قُتلا ، ولا تزال تطوف في المواسم تنشد الناس ابنيها بهذه الأبيات :
يا من أحسّ بابنيَّ اللذينِ هما |
|
كالدرّتينِ تشظّى عنهما الصدفُ |
يا من أحسّ بابنيَّ اللذينِ هما |
|
سمعي وقلبي فقلبي اليوم مُزدَهَفُ (٢) |
يا من أحسّ بابنيَّ اللذين هما |
|
مخّ العظام فمخّي اليوم مختطفُ |
نُبّئت بُسراً وما صدّقت ما زعموا |
|
من قولهم ومن الإفك الذي اقترفوا |
انحى على ودجي إبنيّ مرهفةً |
|
مشحوذة وكذاك الإفك يقترفُ |
حتى لقيت رجالاً من أُرومته |
|
شمّ الأُنوف لهم في قومهم شرفُ |
فالآن ألعنُ بُسراً حقّ لعنته |
|
هذا لعمر أبي بُسر هو السرفُ |
من دلَّ والهة حرّى مولّهة |
|
على صبيّين ضلّا إذ غدا السلفُ |
قالوا : ولمّا بلغ علي بن أبي طالب عليهالسلام قتل بُسر الصبيّين جزع لذلك جزعاً شديداً ، ودعا على بُسر لعنه الله فقال : « اللّهمّ اسلبه دينه ، ولا تخرجه من الدنيا حتى تسلبه عقله ». فأصابه ذلك وفقد عقله ، وكان يهذي بالسيف ويطلبه فيؤتى بسيف من
___________________________________
(١) نهج البلاغة : ص ٦٩ خطبة ٢٧.
(٢) المُزدهف : المستطار القلب من جزع أو حزن.