الظاهريّة ، وهو ذلك الإنسان الكامل ، في علمه ودينه ، في آرائه الناضجة وأفكاره العميقة ، في نفسيّاته الكريمة وملكاته الفاضلة ، في دعوته الإلهيّة وخدماته للمذهب الحقِّ ، في عرفانه الصحيح وحكمته البالغة ، وقصارى القول أنَّه جماع الفضائل ، ومختبأ المآثر كلّها ، ضع يدك على أيّ من المناقب تجده شاهد صدق على شموخ رتبته ، وهاتفاً بسموّ مقامه ، وتأليفاته الجليلة هي البرهنة الصادقة لعلوّ كعبه في العلوم كلّها معقولها ومنقولها ، والمأثور من غرائزه الكريمة أدلّاء حقّ على تقدّمه في المحاسن ومحامد الشِّيَم نفسيّة وكسبيّة ، وإنَّك لا تجد إنساناً يشكّ في شيء من ذلك بالرغم من هلجة هذا المؤرِّخ القشريِّ الجامد ، وكأنّي بروحيّة المحقّق الأوحد الأردبيلي يخاطبه بقوله :
ما شير شكاران فضاى ملكوتيم |
|
سيمرغ بدهشت نگرد بر مگس ما |
أو بقوله :
غنينا بنا عن كلِّ من لا يُريدنا |
|
وإن كثرت أوصافه ونعوته |
ومن صدَّ عنّا حسبه الصدُّ والقلا |
|
ومن فاتنا يكفيه أنّا نفوته |
ثم أيّ تصوّف يريد الرجل فيما عابه من شيخنا العارف الإلهيّ ؟ أيريد ذلك المذهب الباطل الملازم للعقائد الإلحاديّة كالحلول ووحدة الوجود بمعناهما الكفريّ ، وأمثالهما والتنصّل عن الطاعات بتحريف الكلم عن مواضعها ، وتأويل قوله تعالى : ( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) (١) بالرأي الفطير ؟ فحاشا شيخنا الأحمد والأوحد وكلّ عالم ربّانيّ من ذلك ، وإنَّما هو مذهبٌ يروق كلَّ شقيّ تعيس.
وإن كان يريد العرفان الحقّ والذوق السليم الذي كان يعتنقه الأوحديّون من العلماء لدة شيخنا البهائي ، وجمال الدين أحمد بن فهد الحليّ ، وزرافات من الأعاظم قبلهما وبعدهما ، فإنّا نجلّ شيخنا الأردبيلي عن التنكّب عنه ، بل يحقُّ علينا أن نعدّه من
___________________________________
(١) الحجر : ٩٩.