لقتلة عثمان واللعن لهم ، والدعاء لعثمان بالرحمة والاستغفار له والتزكية لأصحابه ، فكان حُجر بن عديّ إذا سمع ذلك قال : بل إيّاكم فذمّ الله ولعن ، ثم قام وقال : إنَّ الله يقول : ( كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّـهِ ) (١) وأنا أشهد أنَّ من تذمُّون وتعيّرون لأحقُّ بالفضل ، وأنَّ من تزكّون وتطرون أولى بالذمّ. فيقول له المغيرة : يا حُجر لقد رمي بسهمك إذ كنت أنا الوالي عليك ، يا حُجر ويحك اتّق السلطان ، اتّق غضبه وسطوته ، فإنَّ غضب السلطان أحياناً ممّا يُهلك أمثالك كثيراً ، ثم يكفُّ عنه ويصفح ، فلم يزل حتى كان في آخر إمارته قام المغيرة فقال في عليّ وعثمان كما كان يقول وكانت مقالته : اللّهمّ ارحم عثمان بن عفّان ، وتجاوز عنه واجزه بأحسن عمله ، فإنّه عمل بكتابك واتّبع سنّة نبيّك صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وجمع كلمتنا ، وحقن دماءنا ، وقُتل مظلوماً (٢) ، اللّهمّ فارحم أنصاره وأولياءه ومحبّيه والطالبين بدمه. ونال من عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ولعنه ولعن شيعته ، فوثب حُجر فنعر نعرةً أسمعت كلّ من كان في المسجد وخارجه وقال : إنّك لا تدري بمن تولع من هرمك أيّها الإنسان مُر لنا بأرزاقنا وأُعطياتنا فإنّك قد حبستها عنّا ولم يكن ذلك لك ، ولم يكن يطمع في ذلك من كان قبلك ، وقد أصبحت مولعاً بذمِّ أمير المؤمنين ، وتقريظ المجرمين. فقام معه أكثر من ثلثي الناس يقولون : صدق والله حُجر وبرّ ، مُر لنا بأرزاقنا وأعطياتنا فإنّا لا ننتفع بقولك هذا ولا يُجدي علينا شيئاً. وأكثروا في مثل هذا القول ، فنزل المغيرة فدخل القصر فاستأذن عليه قومه فأذن لهم فقالوا : علام تترك هذا الرجل يقول هذه المقالة ويجترئ عليك في سلطانك هذه الجرأة ؟ فيوهن سلطانك ، ويسخط عليك أمير المؤمنين معاوية ، وكان أشدّهم له قولاً في أمر حُجر والتعظيم عليه عبد الله بن أبي عقيل الثقفي ، فقال لهم المغيرة : إنّي قد قتلته إنّه سيأتي أميرٌ بعدي فيحسبه مثلي فيصنع
___________________________________
(١) النساء : ١٣٥.
(٢) هذه كلّها تخالف ما هو الثابت المعلوم من سيرة عثمان كما فصّلنا القول فيها في الجزء الثامن والتاسع. ( المؤلف )