به شبيهاً بما ترونه يصنع بي ، فيأخذه عند أول وهلة فيقتله شرّ قتلة ، إنّه قد اقترب أجلي ، وضعف عملي ، ولا أحبّ أن أبتدئ أهل هذا المصر بقتل خيارهم وسفك دمائهم ، فيسعدوا بذلك وأشقى ، ويعزّ في الدنيا معاوية ، ويذلّ يوم القيامة المغيرة.
ثم هلك المغيرة سنة ( ٥١ ) فجمعت الكوفة والبصرة لزياد ـ ابن سميّة ـ فأقبل زياد حتى دخل القصر بالكوفة ووجّه إلى حُجر فجاءه ، وكان له قبل ذلك صديقاً ، فقال له : قد بلغني ما كنت تفعله بالمغيرة فيحتمله منك وإنّي والله لا أحتملك على مثل ذلك أبداً ، أرأيت ما كنت تعرفني به من حبّ علي وودّه ، فإنّ الله قد سلخه من صدري فصيّره بغضاً وعداوة ، وما كنت تعرفني به من بغض معاوية وعداوته فإنّ الله قد سلخه من صدري وحوّله حبّاً ومودّة ، وإنّي أخوك الذي تعهد ، إذا أتيتني وأنا جالسٌ للناس فاجلس معي على مجلسي ، وإذا أتيت ولم أجلس للناس فاجلس حتى أخرج إليك ، ولك عندي في كلِّ يوم حاجتان : حاجة غدوة ، وحاجة عشية ، إنّك إن تستقم تسلم لك دنياك ودينك ، وإن تأخذ يميناً وشمالاً تهلك نفسك ، وتشطُّ عندي دمك ، إنّي لا أُحبُّ التنكيل قبل التقدمة ، ولا آخذ بغير حجّة ، اللّهمّ اشهد. فقال حُجر : لن يرى الأمير منّي إلّا ما يُحب وقد نصح وأنا قابلٌ نصيحته.ثم خرج من عنده.
ولمّا ولي زياد ، جمع أهل الكوفة فملأ منهم المسجد والرحبة والقصر ليعرضهم على البراءة من عليّ (١) ، فقام في الناس وخطبهم ثم ترحّم على عثمان وأثنى على أصحابه ولعن قاتليه ، فقام حُجر ففعل مثل الذي كان يفعل بالمغيرة ، وكان زياد يقيم ستّة أشهر في الكوفة وستّة أشهر في البصرة ، فرجع إلى البصرة واستخلف على الكوفة عمرو بن حريث ، فبلغه أنّ حُجراً يجتمع إليه شيعة عليّ ويظهرون لعن معاوية والبراءة منه ، وأنّهم حصبوا عمرو بن حريث فشخص إلى الكوفة حتى دخلها فأتى القصر فدخله ثم خرج فصعد المنبر وعليه قباء سندس ومطرف خزّ أخضر قد فرق
___________________________________
(١) تاريخ ابن عساكر : ٥ / ٤٢١ [ ١٩ / ٢٠٣ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ٩ / ٨٨ ]. ( المؤلف )