كان ممّن لا يخاف وهنه ولا سقطته ، ولا بطؤه عمّا الإسراع إليه أحزم ، ولا إسراعه إلى ما البطء عنه أمثل ، كان يجمع بين اللين والعنف ، فيسطو في موضع السطوة ، ويرفق في موضع الرفق ، كان فارساً شديد البأس شجاعاً رئيساً حليماً جواداً فصيحاً شاعراً (١).
كتب عليٌّ عليهالسلام إلى مالك وهو يومئذٍ بنصيبين : « أمّا بعدُ : فإنّك ممّن استظهرتُه على إقامة الدين ، وأقمعُ به نخوة الأثيم ، وأشدُّ الثغر المخوف ، وكنت ولّيت محمد بن أبي بكر مصر فخرجت عليه بها خوارج وهو غلامٌ حدَث ليس بذي تجربة للحرب ولا بمجرِّب للأشياء ، فأقدم عليَّ لننظر في ذلك فيما ينبغي ، واستخلف على عملك أهل الثقة والنصيحة من أصحابك. والسلام ».
فأقبل مالك إلى عليّ حتى دخل عليه فحدّثه حديث أهل مصر وخبّره خبر أهلها وقال : « ليس لها غيرك ، اخرج رحمك الله ، فإنّي لم أوصك ، اكتفيت برأيك ، واستعن بالله على ما أهمّك ، فاخلط الشدّة باللين ، وارفق ما كان الرفق أبلغ ، واعتزم بالشدّة حين لا يغني عنك إلّا الشدّة ». فخرج الأشتر من عند عليّ فأتى رحله فتهيّأ للخروج إلى مصر وأتت معاوية عيونه فأخبروه بولاية عليّ الأشتر ، فعظم ذلك عليه وقد كان طمع في مصر فعلم أنَّ الأشتر إن قدمها كان أشدّ عليه من محمد بن أبي بكر ، فبعث معاوية إلى المقدّم على أهل الخراج بالقلزم وقال له : إنَّ الأشتر قد ولّي مصر فإن كفيتنيه لم آخذ منك خراجاً ما بقيتُ وبقيتَ فاحتل له بما قدرت عليه. فخرج الرجل حتى أتى القلزم وأقام به ، وخرج الأشتر من العراق إلى مصر ، فلمّا انتهى إلى القلزم استقبله ذلك الرجل فعرض عليه النزول ، فقال : هذا منزلٌ وهذا طعامٌ وعلفٌ وأنا رجلٌ من أهل الخراج. فنزل عنده فأتاه بطعام ، فلمّا أكل أتاه بشربة من عسل قد جعل فيها سماً فسقاه إيّاها ، فلمّا شربها مات ، وأقبل معاوية يقول لأهل
___________________________________
(١) راجع في بيان هذه الجمل كلّها إلى ما أسلفناه في الجزء التاسع : ص ٣٨ ـ ٤١. ( المؤلف )