بقي ههنا كلام وهو : انّه عدّ المصدر فيما بعد من الأحوال ، مع ظهور أن صيغ مثل : النّصر ، والضّرب ، ليست أحوالا طارية على بناء أخر ، ولعلّه عدّه منها باعتبار ما يشتمل من جنسه ، على التغيّر عمّا يفرض أصلا له كالانتصار ، فإنّ ماله مدخل في حصول صيغته من الأحوال الطارية على المصدر المجرّد الّذي هو أصله وبنائه ، وإن جعل لفظه من حيث كونه مادّة لما يعرضه من ماضيه ومضارعه وغيرهما بناء لها ، ولا منافاة بين كون لفظه بناء لشيء وكون صيغته حالا لبناء آخر كما لا يخفى.
ويكفي للحكم بكونه من الأحوال كونه منها في الجملة ، وكأنّه إنّما تعرّض للمجرّد عن التغيير من المصدر ، فيما بعد حيث انتهى الكلام إليه ، استتماما للبحث ، فيه استطرادا كما استطرد بيان الادغام والتحريك بالكسر العارضين بمدخلية كلمة اخرى نحو : إضرب بّعده ، واضرب الرّجل ، في بابي الادغام والتقاء الساكنين ، فإنّ التحقيق انّ مثل ذلك ليس من أحوال الأبنية المقصودة ههنا ، كالاعراب.
ثمّ المقصود من [أحوال الأبنية] في التعريف جميعها ، كما هو المتبادر ، ومن معرفتها التمكّن منها ، بحيث يقتدر على معرفة أيّة حال اريدت من تلك الأحوال.
ويكفي في معرفة حال البناء من أصل أن يرجع حكم ذلك الأصل إلى حاله بالآخرة ، وإن لم يكن ذلك البناء موضوعا بالفعل في القضيّة الّتي هي ذلك الأصل ، فقولنا : كل واو كذا انقلب ألفا ، في قوّة قولنا : كلّ بناء مشتمل على واو كذا يعرضه ذلك الإعلال.
والقصد في علم التصريف إنّما توجّه إليه بهذا الاعتبار ، وحيث أشير في التعريف إلى أنّ التصريف باحث عن أحوال الأبنية العارضة لها من حيث انّها أبنية ، علم أن موضوعه هي الأبنية ، من تلك الحيثية.
ولمّا كانت معرفة كلّ شيء يفيد الاقتدار على الاحتراز عن الحظأ فيه والاحتياج إلى هذا العلم ليس إلّا للاحتراز عن الحظأ في أحوال الأبنية كان التعريف كأنّه مشير اشارة ما إلى وجه الحاجة ، فقد تمّ الحدّ جمعا ومنعا ، على وجه يشير إلى الموضوع ، والحاجة بوجه ما كما ذكرنا.