لرجال دولته دانيهم وقاصيهم ، بارك الله فيهم ، وأن تتوفر على ما يعود بصلاح أحوالهم وانفساح آمالهم ، وانشراح صدورهم ، وانتظام أمورهم ، إذ كانوا كتائب الاسلام ومعاقل الأنام ، وأنصار أمير المؤمنين المحفوفين بالإحسان والإنعام ، حتى تحسن أحوالهم بجميل نظرك ، ويزول سوء الأثر فيهم بحسن أثرك ، وكذلك الرعايا بالحضرة ، وأعمال الدولة ، فأمرهم من المعني به ، والمسؤول عنه ، وأمير المؤمنين يأمرك بأن تستشف خيرة الولاية فيهم ، فمن ألفيته من الرعية مظلوما أو عزت بنصفته ، ومن صادفته من الولاة ظلوما ، تقدمت بصرفه وحسم مضرته ومعرته.
فأمّا الناظرون في الأموال من ولاة الدواوين والعمال ، فقد أقام أمير المؤمنين عليهم منك المنقى الزكاء طبا بالأدواء ، لا يصانع ولا تطيبه المطامع ، ولا ينفق عليه المنافق ، ولا يعتصم منه الخؤون السارق ، كما أنه لا يخاف لديه الثقة الناصح ، ولا يخشى عاديته الأمين في خدمته المجتهد الكادح ، والذي يدعو المتصرف إلى أن يحمل نفسه على الخطة النكراء في الاحتجان والارتشاء أحد أمرين : إما حاجة تضطره إلى ذلك ، أو جهالة تورده المهالك ، فإن كان محتاجا سدّ رزق الخدمة فاقته ، ورجا الراجون برءه من مرض الاسفاف وإفاقته ، وإن كان جاهلا فالجاهل لا يبالي على ما أقدم عليه ، ولا يفكر في عاقبة ما يصير أمره إليه ، ومن جمع هذين القسمين كانت نفسه أبدا تسفّ ولا تعفّ ، ويده تكف ولا تكفّ ، ووطأته تثقل ولا تخفّ ، فلا ترب من تنزّه وعفّ ، ولا أثرى ، من رضي لنفسه بدنيء المكسب وأسفّ ، وما (٥٢ و) يستزيدك أمير المؤمنين على ما عندك من حسن التأنّي ، والاجتهاد في إصلاح الفاسد ، وإستصلاح المعاند ، واستفاءة الشارد بالمعصية الى طاعته ، وإعطاء رجال الدولة ما توجب لها حقوق الخدمة من فضل نعمته ، وأمير المؤمنين يقول بعد ذلك قولا يؤثر عنده (١) في المشرق والمغرب ، ويصل إلى الأبعد والأقرب :
__________________
(١) كذا في الأصل ، وأحسن منها «عنه».