وتقارب الأمر في ذلك ، وترددت المراسلات الى أن استقرت الحال على قبول الشروط المقترحة ، ووقعت الأيمان من الجهتين على ذلك ، والرضا به في يوم الخميس العاشر من شهر ربيع الآخر من السنة.
ورحل نور الدين في عسكره في يوم الجمعة غد اليوم المذكور ، طالبا ناحية بصرى ، للنزول عليها ، والمضايقة لها ، والتمس من دمشق ما تدعو إليه الحاجة من آلات الحرب والمناجيق ، لأن سرخاك الوالي المذكور ، كان بها ، كان شاع عصيانه وخلافه ، ومال إلى الأفرنج ، واعتضدهم ، فأنكر نور الدين ذلك عليه ، وأنهض فريقا وافرا من عسكره إليه.
وورد الخبر من ناحية قلعة جعبر في يوم السبت الثالث عشر من (١٧١ ظ) شهر ربيع الآخر بأن صاحبها الأمير عز الدين علي بن مالك بن سالم بن مالك ، خرج في أصحابه إلى عسكر الرقة ، وقد غار على أطراف أعماله لتخليص ما استاقوا منه ، فالتقى الفريقان ، وسبق اليه سهم من كمين ظهر عليهم قضى عليه ، وعاد به أصحابه الى قلعة جعبر ، وجلس ولده مالك ابن علي في منصبه ، واجتمع عليه جماعة أسرته ، واستقام له الأمر من بعده.
ووردت الأخبار في سنة ست وأربعين من ناحية مصر بأن أهل دمياط ، حدث فيهم فناء عظيم ما عهد مثله في قديم ولا حديث ، بحيث أحصي المفقود منهم في سنة خمس وأربعين وخمسمائة ، سبعة آلاف شخص وفي سنة ست وأربعين مثلهم سبعة آلاف بحيث يكون الجميع أربعة عشر ألفا ، وخلت دور كثيرة من أهلها ، وبقيت مغلقة ، ولا ساكن فيها ، ولا طالب لها.
وفي يوم السبت الثاني من جمادى الآخرة سنة ست وأربعين توفي القاضي السديد الخطيب أبو الحسين بن أبي الحديد خطيب (١) دمشق رحمه
__________________
(١) هو «عبد الرحمن بن عبد الله بن الحسن بن الحسين ، ولد سنة اثنتان وستون وأربعمائة ، وسمع الحديث الكثير ... وكان بيت أبي الحديد يتوارثون نعل النبي صلىاللهعليهوسلمّ» مرآة الزمان : ١ / ٢١١ ـ ٢١٢.