أن حال بكجور انتهت إلى ما أراه من هذه الأموال والأثقال ، فقال له : أي شيء اعتقد الأمير في ذاك؟ قال له : وهل بقي في هذا الأمر موضع اعتقاد؟ قال له ابن أبي حصين : إن بكجور وأولاده مماليك ، وكل ما ملكوه فهو لك ولا حرج عليك فيما تأخذه منه ولا حنث في الأيمان التي حلفت بها ، ومهما كان فيها من وزر وإثم فعليّ دونك ، فلما سمع هذا القول منه ، غدر بهم وتقدم بردهم والقبض عليهم وجميع ما معهم ، وكتب أولاد بكجور إلى العزيز بما تم عليهم وعلى والدهم ، وسألوه مكاتبة سعد الدولة بالكف عنهم والإبقاء عليهم ، فكتب إليه كتابا يتوعده فيه ويأمره بإزالة الاعتراض عن المذكورين وتسييرهم إلى مصر موفورين ، ويقول له في آخره : «إنك متى خالفتنا في ذلك واحتججت فيه ، كنا الخصوم له ، وجهزنا العسكر إليك» ، وأنفذه مع فائق الصقلبي أحد خواصه ، وسيره على نجيب ، فوصل فائق إليه وقد عاد من الرقة وهو بظاهر حلب ، وأوصل إليه الكتاب ، فلما وقف عليه جمع وجوه قواده وغلمانه وقرأه عليهم ، ثم قال لهم : ما الرأي عندكم فيه؟ قالوا : نحن عبيدك وغلمانك ومهما أمرتنا به وندبتنا له ، كانت عندنا الطاعة والمناصحة فيه ، وتقدم عند ذاك باحضار الرسول ، فلما مثل بين يديه أمر باعطائه الكتاب ، ولطمه حتى يأكله ، فقال له : أنا رسول وما عرف من الملوك معاملة الرسل بمثل ذلك وهذا الفعل ما لا يجوز ، فقال له : لا بدّ أن تأكله ، فلما مضغه قال له : عد إلى صاحبك وقل له : لست ممن تخفي أخبارك عنه ، وتمويهاتك عليه ، وما بك حاجة إلى تجهيز العساكر إليّ فإنني سائر إليك ليكون اللقاء قريبا منك ، وخبري يأتيك من الرملة.
وقدم سعد الدولة قطعة من عساكره أمامه إلى حمص ، وعاد فائق إلى العزيز فعرفه ما سمعه وشاهده فأزعجه ذلك ، وبلغ منه ، وأقام سعد الدولة بظاهر حلب أياما على أن يرتب أموره ويتلو من تقدمه من عسكره ، فاتفق أن عرض له قولنج شفي منه ، وكان له طبيبان (٢٨ ظ) عارفان أحدهما