غيروا اسمه وصفته وبدلوا التوراة وجحدوا أذهب الله عنهم نور ذلك الإيمان ، وتقدم الكلام على الذي ، وتقدم قول الفارسي في أنه يجري مجرى من في الإفراد والجمع ، وقول الأخفش أنه مفرد في معنى الجمع ، والذي نختاره أنه مفرد لفظا وإن كان في المعنى نعتا لما تحته أفراد ، فيكون التقدير كمثل الجمع الذي استوقد نارا كأحد التأويلين في قوله :
وإن الذي حانت بفلج دماؤهم
ولا يحمل على المفرد لفظا ومعنى بجمع الضمير في ذهب الله بنورهم ، وجمعه في دمائهم. وأما من زعم أن الذي هنا هو الذين وحذفت النون لطول الصلة ، فهو خطأ لإفراد الضمير في الصلة ، ولا يجوز الإفراد للضمير لأن المحذوف كالملفوظ به. ألا ترى جمعه في قوله تعالى : (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا) (١) على أحد التأويلين ، وجمعه في قول الشاعر :
يا رب عبس لا تبارك في أحد |
|
في قائم منهم ولا فيمن قعد |
إلا الذي قاموا بأطراف المسد
وأما قول الفارسي : إنها مثل من ، ليس كذلك لأن الذي صيغة مفرد وثني وجمع بخلاف من ، فلفظ من مفرد مذكر أبدا وليس كذلك الذي ، وقد جعل الزمخشري ذلك مثل قوله تعالى : (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا) (٢) ، وأعل لتسويغ ذلك بأمرين ، قال : أحدهما : أن الذي لكونه وصلة إلى وصف كل معرفة واستطالته بصلته حقيق بالتخفيف ، ولذلك نهكوه بالحذف ، فحذفوا ياءه ثم كسرته ثم اقتصروا على اللام في أسماء الفاعلين والمفعولين ، وهذا الذي ذكره من أنهم حذفوه حتى اقتصروا به على اللام ، وإن كان قد تقدمه إليه بعض النحويين ، خطأ ، لأنه لو كانت اللام بقية الذي لكان لها موضع من الإعراب ، كما كان للذي ، ولما تخطى العامل إلى أن يؤثر في نفس الصلة فيرفعها وينصبها ويجرها ، ويجاز وصلها بالجمل كما يجوز وصل الذي إذا أقرت ياؤه أو حذفت ، قال : والثاني : إن جمعه ليس بمنزلة جمع غيره بالواو والنون ، إنما ذلك علامة لزيادة الدلالة ، ألا ترى أن سائر الموصولات لفظ الجمع والواحد فيهن سواء؟ انتهى. وما ذكره من أن جمعه ليس بمنزلة جمع غيره بالواو والنون صحيح من حيث اللفظ ، وأما من حيث المعنى فليس كذلك ، بل هو مثله من حيث المعنى ، ألا ترى أنه لا يكون واقعا إلا على من اجتمعت فيه شروط ما يجمع بالواو والنون من الذكورية والعقل؟ ولا فرق بين الذين يفعلون والفاعلين من جهة أنه
__________________
(١ ـ ٢) سورة التوبة : ٩ / ٦٩.