ومن ذريتي على الكاف في جاعلك فقال : فإن قلت : لم خص إبراهيم المؤمنين حتى رد عليه؟ قلت : قاس الرزق على الإمامة ، فعرف الفرق بينهما ، لأن الاستخلاف استرعاء مختص بمن ينصح للمرعى. وأبعد الناس عن النصيحة الظالم ، بخلاف الرزق ، فإنه قد يكون استدراجا للمرزوق وإلزاما للحجة له. والمعنى : وارزق من كفر فأمتعه. انتهى كلامه. فظاهر قوله والمعنى : وارزق من كفر فأمتعه يدل على أن الضمير في قال ، ومن كفر عائد على الله ، وأن من كفر منصوب بارزق الذي هو فعل مضارع مسند إلى الله تعالى ، وهو يناقص ما قدم أولا من أن من كفر معطوف على من آمن. وفي قوله خص إبراهيم المؤمنين حتى رد عليه سوء أدب على الأنبياء ، لأنه لم يرد عليه ، لأنه لا يدعي ، ويرغب في أن يرزق الكافر ، بل قوله تعالى : (قالَ وَمَنْ كَفَرَ) ، إخبار من الله تعالى بما يكون مآل الكافر إليه من التمتيع القليل والصيرورة إلى النار ، وليس هنا قياس الرزق على الإمامة ، ولا تعريف الفرق بينهما ، كما زعم.
وقد تقدم تفسير المتاع ، وأنه كل ما انتفع به ، وفسر هنا التمتيع والإمتاع بالإبقاء ، أو بتيسير المنافع ، ومنه متاع الحياة الدنيا ، أي منفعتها التي لا تدوم ، أو بالتزويد ، ومنه : فمتعوهن ؛ أي زوّدوهنّ نفقة. والمتعة : ما يتبلغ به من الزاد ، والجمع متع ، ومنه : متاعا لكم. وللسيارة والهمزة في أمتع يجعل الشيء صاحب ما صيغ منه : أمتعت زيدا ، جعلته صاحب متاع ، كقولهم : أقبرته وأنعلته ، وكذلك التضعيف في متع هو : يجعل الشيء بمعنى ما صيغ منه نحو قولهم : عدلته. وليس التضعيف في متع يقتضي التكثير ، فينافي ظاهر ذلك القلة ، فيحتاج إلى تأويل ، كما ظنه بعضهم وتأوّله على أن الكثرة بإضافة بعضها إلى بعض ، والقلة بالإضافة إلى نعيم الآخرة. فقد اختلفت جهتا الكثرة والقلة فلم يتنافينا. وانتصاب قليلا على أنه صفة لظرف محذوف ، أي زمانا قليلا ، أو على أنه صفة لمصدر محذوف ، أي تمتيعا قليلا ، على تقدير الجمهور ، أو على الحال من ضمير المصدر المحذوف ، الدال عليه الفعل ، وذلك على مذهب سيبويه. والوصف بالقلة لسرعة انقضائه ، إما لحلول الأجل ، وإما بظهور محمد صلىاللهعليهوسلم فيقتله ، أو يخرجه عن هذا البلد ، إن أقام على الكفر والإمتاع بالنعيم والزينة ، أو بالإمهال عن تعجيل الانتقام فيها ، أو بالرزق ، أو بالبقاء في الدنيا ، أقوال للمفسرين. وقراءة يحيى بن وثاب : ثم اضطره بكسر الهمزة. قال ابن عطية ، على لغة قريش ، في قولهم : لا إخال ، يعني بكسر الهمزة. وظاهر هذا النقل في أن ذلك ، أعني كسر الهمزة التي للمتكلم في نحو اضطر ، وهو ما أوله همزة