وهذا هو الظاهر ، ويكون ذلك من باب الالتفات ، وحكمته أنهم أبرزوا في صورة الغائب الذي يتعجب من فعله ، حيث دعي إلى اتباع شريعة الله التي هي الهدى والنور. فأجاب باتباع شريعة أبيه ، وكأنه يقال : هل رأيتم أسخف رأيا وأعمى بصيرة ممن دعى إلى اتباع القرآن المنزل من عند الله ، فرد ذلك وأضرب عنه؟ وأثبت أنه يتبع ما وجد عليه أباه؟ وفي هذا دلالة على ذم التقليد ، وهو قبول الشيء بلا دليل ولا حجة. وحكى ابن عطية أن الإجماع منعقد على إبطاله في العقائد. وفي الآية دليل على أن ما كان عليه آباؤهم هو مخالف لما أنزل الله ، فاتباع أبنائهم لآبائهم تقليد في ضلال. وفي هذا دليل على أن دين الله هو اتباع ما أنزل الله ، لأنهم لم يؤمروا إلا به. والمراد بقوله : وإذا ، التكرار. وبنى قيل لما لم يسم فاعله ، لأنه أخصر ، لأنه لو ذكر الآمرون لطال الكلام ، لأن الآمر بذلك هو الرسول ومن يتبعه من المؤمنين. وفي قوله : (ما أَنْزَلَ اللهُ) إعلام بتعظيم ما أمروهم باتباعه أن نسب إنزاله إلى الله الذي هو المشرّع للشرائع ، فكان ينبغي أن يتلقى بالقبول ولا يعارض باتباع آبائهم رؤوس الضلالة. وأدغم الكسائي لام بل في نون نتبع ، وأظهر ذلك غيره. وبل هنا عاطفة جملة على جملة محذوفة ، التقدير : لا نتبع ما أنزل الله ، (بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا). ولا يجوز أن يعطف على قوله : (اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ). وعليه متعلق بقوله : ألفينا ، وليست هنا متعدية إلى اثنين ، لأنها بمعنى وجد ، التي بمعنى أصاب.
(أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) : الهمزة للاستفهام المصحوب بالتوبيخ والإنكار والتعجب من حالهم ، وأما الواو بعد الهمزة ، فقال الزمخشري : الواو للحال ، ومعناه : أيتبعونهم ، ولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا من الدين ولا يهتدون للصواب؟ وقال ابن عطية : الواو لعطف جملة كلام على جملة ، لأن غاية الفساد في الالتزام أن يقولوا : نتبع آباءنا ولو كانوا لا يعقلون ، فقرروا على التزام هذا ، أي هذه حال آبائهم. انتهى كلامه. وظاهر قول الزمخشري أن الواو للحال ، مخالف لقول ابن عطية إنها للعطف ، لأن واو الحال ليست للعطف. والجمع بينهما أن هذه الجملة المصحوبة بلو في مثل هذا السياق ، هي جملة شرطية. فإذا قال : اضرب زيدا ولو أحسن إليك ، المعنى : وإن أحسن ، وكذلك : اعطوا السائل ولو جاء على فرس ؛ ردّوا السائل ولو بشق تمرة ، المعنى فيها : وإن. وتجيء لو هنا تنبيها على أن ما بعدها لم يكن يناسب ما قبلها ، لكنها جاءت لاستقصاء الأحوال التي يقع فيها الفعل ، ولتدل على أن المراد بذلك وجود الفعل في كل حال ، حتى في هذه الحال التي لا تناسب الفعل. ولذلك لا يجوز : اضرب زيدا ولو أساء