عداوته واستبانت ، فهو جدير بأن لا يتبع في شيء وأن يفرّ منه ، فإنه ليس له فكر إلا في إرداء عدوه.
(إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ) : لما أخبر أنه عدوّ ، أخذ يذكر ثمرة العداوة وما نشأ عنها ، وهو أمره بما ذكر. وقد تقدم الكلام في إنما في قوله : (إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ) (١). وفي الخلاف فيها ، أتفيد الحصر أم لا؟ وأمر الشيطان ، إما بقوله في زمن الكهنة وحيث يتصور ، وإما بوسوسته وإغوائه. فإذا أطيع ، نفذ أمره بالسوء ، أي بما يسوء في العقبى. وقال ابن عباس : السوء ما لا حد له. والفحشاء ، قال السدي : هي الزنا. وقال ابن عباس : كل ما بلغ حدا من الحدود لأنه يتفاحش حينئذ. وقيل : ما تفاحش ذكره. وقيل : ما قبح قولا أو فعلا. وقال طاوس : ما لا يعرف في شريعة ولا سنة. وقال عطاء : هي البخل.
(وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) ، قال الطبري : يريد به ما حرموا من البحيرة والسائبة ونحوه ، وجعلوه شرعا. وقال الزمخشري : هو قولهم هذا حلال وهذا حرام بغير علم ، ويدخل فيه كل ما يضاف إلى الله مما لا يجوز عليه. انتهى. قيل : وظاهر هذا تحريم القول في دين الله بما لا يعلمه القائل من دين الله ، فيدخل في ذلك الرأي والأقيسة والشبهية والاستحسان. قالوا : وفي هذه الآية إشارة إلى ذمّ من قلد الجاهل واتبع حكمه. قال الزمخشري : فإن قلت : كيف كان الشيطان آمرا مع قوله : (لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) (٢)؟ قلت : شبه تزيينه وبعثه على الشر بأمر الآمر ، كما تقول : أمرتني نفسي بكذا ، وتحته رمز إلى أنكم فيه بمنزلة المأمورين لطاعتكم له وقبولكم وساوسه ، ولذلك قال : (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ). وقال الله تعالى : (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) لما كان الإنسان يطعمها ويعطيها ما اشتهت. انتهى كلامه.
(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا) : الضمير في لهم عائد على كفار العرب ، لأن هذا كان وصفهم ، وهو الاقتداء بآبائهم ، ولذلك قالوا لأبي طالب ، حين احتضر : أترغب عن ملة عبد المطلب؟ ذكروه بدين أبيه ومذهبه. وقال ابن عباس : نزلت في اليهود ، فعلى هذا يكون الضمير عائدا على غير مذكور ، وهم أشد الناس اتباعا لأسلافهم. وقيل : هو عائد على من ، من قوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً) (٣) ، وهو بعيد. وقال الطبري : هو عائد على الناس من قوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا)
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١١.
(٢) سورة الإسراء : ١٧ / ٦٥.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ١٦٥.