فاحتملت ما وجهين : أحدهما : أن تكون موصولة اسم إن ، والعائد الضمير المستكن في حرم والميتة خبران. والوجه الثاني : أن تكون ما مهيئة والميتة مرفوع بحرم. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي : إنما حرم ، بفتح الحاء وضم الراء مخففة جعله لازما ، والميتة وما بعدها مرفوع. ويحتمل ما الوجهين من التهيئة والوصل ، والميتة فاعل يحرم ، إن كانت ما مهيئة ، وخبر إن ، إن كانت ما موصولة. وقرأ أبو جعفر : الميتة ، بتشديد الياء في جميع القرآن ، وهو أصل للتخفيف. وقد تقدم الكلام على هذا التخفيف في قوله : (أَوْ كَصَيِّبٍ) (١) ، وهما لغتان جيدتان ، وقد جمع بينهما الشاعر في قوله :
ليس من مات فاستراح بميت |
|
إنما الميت ميت الأحياء |
قيل : وحكى أبو معاذ عن النحويين الأولين ، أن الميت بالتخفيف : الذي فارقته الروح ، والميت بالتشديد : الذي لم يمت ، بل عاين أسباب الموت. وقد تقدم الكلام في الموت. ولما أمر تعالى بأكل الحلال في الآية السابقة ، فصل هنا أنواع الحرام ، وأسند التحريم إلى الميتة. والظاهر أن المحذوف هو الأكل ، لأن التحريم لا يتعلق بالعين ، ولأن السابق المباح هو الأكل في قوله : (كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ) ، (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ). فالممنوع هنا هو الأكل ، وهكذا حذف المضاف يقدر بما يناسب. فقوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) (٢) ، المحذوف : وطء ، كأنه قيل : وطء أمهاتكم ، (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) (٣) ، أي وطء ما وراء ذلكم. فسائر وجوه الانتفاعات محرم من هذه الأعيان المذكورة ، إما بالقياس على الأكل عند من يقول بالقياس ، وإما بدليل سمعي عند من لا يقول به.
وقال بعض الناس ما معناه : أنه تعالى لما أسند التحريم إلى الميتة ، وما نسق عليها وعلقه بعينها ، كان ذلك دليلا على تأكيد حكم التحريم وتناول سائر وجوه المنافع ، فلا يخص شيء منها إلا بدليل يقتضي جواز الانتفاع به ، فاستنبط هذا القول تحريم سائر الانتفاعات من اللفظ. والأظهر ما ذكرناه من تخصص المضاف المحذوف بأنه الأكل. وظاهر لفظ الميتة يتناول العموم ، ولا يخص شيء منها إلا بدليل. قال قوم : خص هذا العموم بقوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ) (٤) ، وبما روي
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١٩.
(٢) سورة النساء : ٤ / ٢٣.
(٣) سورة النساء : ٤ / ٢٤.
(٤) سورة المائدة : ٥ / ٩٦.