من قوله صلىاللهعليهوسلم : «حلت لنا ميتتان». وقال ابن عطية : الحوت والجراد لم يدخل قط في هذا العموم. انتهى. فإن عنى لم يدخل في دلالة اللفظ ، فلا نسلم له ذلك. وإن عنى لم يدخل في الإرادة ، فهو كما قال ، لأن المخصص يدل على أنه لم يرد به الدخول في اللفظ العام الذي خصص به.
قال الزمخشري : فإن قلت في الميتات ما يحل وهو السمك والجراد. قلت : قصد ما يتفاهمه الناس ويتعارفونه في العادة. ألا ترى أن القائل إذا قال : أكل فلان ميتة ، لم يسبق الفهم إلى السمك والجراد؟ كما لو قال : أكل دما ، لم يسبق إلى الكبد والطحال. ولاعتبار العادة والتعارف قالوا : من حلف لا يأكل لحما ، فأكل سمكا ، لم يحنث ، وإن أكل لحما في الحقيقة. وقال الله تعالى : (لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا) (١) ، وشبهوه بمن حلف لا يركب دابة ، فركب كافرا ، لم يحنث وإن سماه الله دابة في قوله : (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا) (٢). انتهى كلامه.
وملخص ما يقوله : أن السمك والجراد لم يندرج في عموم الميتة من حيث الدلالة ، وليس كما قال. وكيف يكون ذلك ، وقد روي عنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «أحلت لنا ميتتان»؟ فلو لم يندرج في الدلالة ، لما احتيج إلى تقرير شرعي في حله ، إذ كان يبقى مدلولا على حله بقوله : (كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ) ، (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ). وليس من شرط العموم ما يتفاهمه الناس ويتعارفونه فى العادة ، كما قال الزمخشري ، بل لو لم يكن للمخاطب شعور البتة ، ولا علم ببعض أفراد العام ، وعلق الحكم على العام ، لاندرج فيه ذلك الفرد الذي لا شعور للمخاطب به. مثال ذلك ما جاء في الحديث : «نهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع». فهذا علق الحكم فيه بكل ذي ناب. والمخاطب ، الذين هم العرب ، لا علم لهم ببعض أفراد ذي الناب ، وذلك الفرد مندرج في العموم يقضي عليه بالنهي ، كما في بلادنا ، بلاد الأندلس ، حيوان مفترس يسمى عندهم بالدب وبالسمع ، وهو ذو أنياب يفترس الرجل ويأكله ، ولا يشبه الأسد ، ولا الذئب ، ولا النمر ، ولا شيئا مما يعرفه العرب ، ولا نعلمه خلق بغير بلاد الأندلس. فهذا لا يذهب أحد إلى أنه ليس مندرجا في عموم النهي عن أكل كل ذي ناب ، بل شمله النهي ، كما شمل غيره مما تعاهده العرب وعرفوه ، لأن الحكم نيط بالعموم وعلق به ، فهو معلق بكل فرد من أفراده ، حتى بما كان لم
__________________
(١) سورة النحل : ١٦ / ١٤.
(٢) سورة الأنفال : ٨ / ٥٥.