معظم ما ينتفع به. كما نص على قتل الصيد على المحرم ، والمراد حظر جميع أفعاله في الصيد. وكما نص على ترك البيع (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) (١) ، لأنه كان أعظم ما كانوا يبتغون به منافعهم ، فهو أشغل لهم من غيره ، والمراد جميع الأمور الشاغلة عن الصلاة. وقال الزمخشري : فإن قلت : فما له ذكر لحم الخنزير دون شحمه؟ قلت : لأن الشحم داخل في ذكر اللحم بدليل قوله : لحم سمين ، يريدون أنه شحيم. انتهى. وقولهم هذا ليس بدليل على أن الشحم داخل في ذكر اللحم ، لأن وصف الشيء بأنه يمازجه شيء آخر ، لا يدل على أنه مندرج تحت مدلول ذلك الشيء ، ألا ترى أنك تقول مثلا رجل لابن ، أو رجل عالم؟ لا يدل ذلك على أن اللبن أو العلم داخل في ذكر الرجل ، ولا أن ذكر الرجل مجردا عن الوصفين يدل عليهما. وقال ابن عطية : وخص ذكر اللحم من الخنزير ليدل على تحريم عينه ، ذكي أو لم يذك ، وليعم الشحم وما هناك من الغضاريف وغيرها. وأجمعت الأمة على تحريم شحمه. انتهى كلامه. وليس كما ذكر ، لأن ذكر اللحم لا يعم الشحم وما هناك من الغضاريف ، لأن كلّا من اللحم والشحم وما هناك من غضروف وغيره ، وليس له اسم يخصه. إذا أطلق ذلك الاسم ، لم يدخل فيه الآخر ، ولا يدل عليه ، لا بمطابقة ، ولا تضمن. فإذن ، تخصيصه بالذكر يدل على تخصيصه بالحكم ، إذ لو أريد المجموع ، لدل بلفظ يدل على المجموع. وقوله : أجمعت الأمة على تحريم شحمه ، ليس كما ذكر. ألا ترى أن داود لا يحرم إلا ما ذكره الله تعالى ، وهو اللحم دون الشحم؟ إلا أن يذهب ابن عطية إلى ما يذكر عن أبي المعالي عبد الملك الجويني ، من أنه لا يعتد في الإجماع ، بخلاف داود ، فيكون ذلك عنده إجماعا. وقد اعتد أهل العلم الذين لهم الفهم التام والاجتهاد ، قبل أن يخلق الجويني بأزمان ، بخلاف داود ، ونقلوا أقاويله في كتبهم ، كما نقلوا أقاويل الأئمة ، كالأوزاعي ، وأبي حنيفة ، ومالك ، والثوري ، والشافعي ، وأحمد. ودان بمذهبه وقوله وطريقته ناس وبلاد وقضاة وملوك الأزمان الطويلة ، ولكنه في عصرنا هذا قد خمل هذا المذهب. ولما كان اللحم يتضمن عند مالك الشحم ، ذهب إلى أنه لو حلف حالف أن لا يأكل لحما ، فأكل شحما ، أنه يحنث. وخالفه أبو حنيفة والشافعي فقالا : لا يحنث ، كما لو حلف أنه لا يأكل شحما ، فأكل لحما. وقال تعالى : (حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما) (٢). والإجماع ، أن اللحم ليس بمحرم على اليهود ، فالحق أن كلّا منهما لا يندرج تحت لفظ الآخر.
__________________
(١) سورة الجمعة : ٦٢ / ٩.
(٢) سورة الأنعام : ٦ / ١٤٦.