حوالة على هاتين الآيتين ، لأنه قال : (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ). وتفصيل المحرّم هو في هاتين الآيتين ، والاضطرار فيهما مقيد ، فتعين أن يكون مقيدا في الآية التي أحيلت على غيرها. والظاهر في البغي والعدوان ، أن ذلك من قبل المعاصي ، لأنهما متى أطلقتا ، تبادر الذهن إلى ذلك. وفي جواز مقدار ما يأكل من الميتة ، وفي التزوّد منها ، وفي شرب الخمر عند الضرورة قياسا على هذه المحرمات. وفي أكل ابن آدم خلاف مذكور في كتب الفقه ، قالوا : وإن وجد ميتة وخنزيرا ، أكل الميتة ، قالوا : لأنها أبيحت له في حال الاضطرار ، والخنزير لا يحل بحال ، وليس كما قالوا ، لأن قوله : (فَمَنِ اضْطُرَّ) جاء بعد ذكر تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير. فالمعنى : فمن اضطر إلى أكل شيء من هذه المحرمات ، فرتبتها في الإباحة للأكل منها متساوية ، فليس شيء منها أولى من الآخر بالإباحة ، والمضطر مخير فيما يأكل منها. فقولهم : إن الخنزير لا يحل بحال ليس بصحيح.
وذكر بعض المفسرين أنهم أجمعوا على أن من سافر لغزو ، أو حج ، أو تجارة ، وكان مع ذلك باغيا في أخذ مال ، أو عاديا في ترك صلاة أو زكاة ، لم يكن ما هو عليه من البغي والعدوان مانعا من استباحة الميتة للضرورة. وأنهم أجمعوا أيضا على جواز الترخيص للباغي ، أو العادي الحاضر ، وفي نقل هذين الإجماعين نظر.
واختلف القراء في حركة النون من قوله : (فَمَنِ اضْطُرَّ) ، (وَأَنِ احْكُمْ) (١) ، (وَلكِنِ انْظُرْ) (٢) ، وشبهه وحركة الدال من : (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ) (٣) ، والتاء من : (وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَ) (٤) ، وحركة التنوين من : (فَتِيلاً انْظُرْ) (٥) ، ونحوه ، وحركة اللام من نحو : (قُلِ ادْعُوا اللهَ) (٦) ، والواو من نحو : (أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) (٧) ، فكسر ذلك عاصم وحمزة ، وحركها أبو عمرو ، إلا في اللام والواو ؛ وعباس ويعقوب ، إلا في الواو ؛ وضم باقي السبعة ، إلا ابن ذكوان ، فإنه كسر التنوين. وعنه في : (بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا) (٨) ، و (خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ) (٩) خلاف ، وضابط هذا أنه يكون ضمة هذه الأفعال لازمة ، فإن كانت عارضة ، فالكسر نحو : (أَنِ امْشُوا) (١٠) ، وتوجيه الكسر أنه حركة التقاء الساكنين ، والضم أنه اتباع.
__________________
(١) سورة المائدة : ٥ / ٤٩.
(٢) سورة الأعراف : ٧ / ١٤٣.
(٣) سورة الأنعام : ٦ / ١٠.
(٤) سورة يوسف : ١٢ / ٣١.
(٥) سورة النساء : ٤ / ٤٩ ـ ٥٠.
(٦) سورة الإسراء : ١٧ / ١١٠.
(٧) سورة الإسراء : ١٧ / ١١٠.
(٨) سورة الأعراف : ٧ / ٤٩.
(٩) سورة إبراهيم : ١٤ / ٢٦.
(١٠) سورة ص : ٣٨ / ٦.