وقيل : هي الزكاة ، وبين بذلك مصارفها ، وضعف بعطف الزكاة عليه ، فدل على أنه غيرها.
قيل : هي نوافل الصدقات والمبار ، وضعف بقوله آخر الآية (أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) وقف التقوى عليه ، ولو كان ندبا لما وقف التقوى ، وهذا التضعيف ليس بشيء لأن المشار إليهم بالتقوى من اتصف بمجموع الأوصاف السابقة المشتملة على المفروض والمندوب ، فلم يفرد التقوى ، ثم اتصف بالمندوب فقط ولا وقفها عليه ، بل لو جاء ذكر التقوى لمن فعل المندوب ساغ ذلك ، لأنه إذا أطاع الله في المندوب فلأن يطيعه في المفروض أحرى وأولى.
وقيل : هو حق واجب غير الزكاة.
قال الشعبي : إن في المال حقا سوى الزكاة وتلا هذه الآية.
وقيل : رفع الحاجات الضرورية مثل إطعام للمضطر ، فأمّا ما روي على أن الزكاة تنحت كل حق ، فيحمل على الحقوق المقدرة. أما ما لا يكون مقدرا فغير منسوخ ، بدليل وجوب التصدق عند الضرورة ، ووجوب النفقة على الأقارب وعلى المملوك ، وذلك كله غير مقدّر.
(عَلى حُبِّهِ) متعلق ب (آتَى) وهو حال ، والمعنى : أنه يعطي المال محبا له ، أي : في حال محبته للمال واختياره وإيثاره ، وهذا وصف عظيم ، أن تكون نفس الإنسان متعلقة بشيء تعلق المحب بمحبوبه ، ثم يؤثر به غيره ابتغاء وجه الله ، كما جاء : أن تصدّق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى ، والظاهر أن الضمير في (حُبِّهِ) عائد على المال لأنه أقرب مذكور ، ومن قواعد النحويين أن الضمير لا يعود على غير الأقرب إلّا بدليل ، والظاهر أن المصدر فاعله المؤتي ، كما فسرناه ، وقيل : الفاعل المؤتون ، أي حبهم له واحتياجهم إليه وفاقتهم ، وإلى الأول ذهب ابن عباس ، أي : أعطى المال في حال صحته ومحبته له فآثر به غيره ، فقول ابن الفضل : إنه أعاده على المصدر المفهوم من آتى ، أي : على حب الإيتاء ، بعيد من حيث اللفظ ، ومن حيث المعنى ، أما من حيث اللفظ فإنه يعود على غير مصرح به ، وعلى أبعد من المال ، وأما المعنى فلأن من فعل شيئا وهو يحب أن يفعله لا يكاد يمدح على ذلك ، لأن في فعله ذلك هوى نفسه ومرادها ، وقال زهير :
تراه إذا ما جئته متهللا |
|
كأنك تعطيه الذي أنت سائله |