وقيل : المراد بالموت هنا حقيقته لا مقدماته ، فيكون الخطاب متوجها إلى الأوصياء والورثة ، ويكون على حذف مضاف ، أي : كتب عليكم ، إذا مات أحدكم ، إنفاذ الوصية والعمل بها ، فلا تكون الآية تدل على وجوب الوصية ، بل يستدل على وجوبها بدليل آخر.
(إِنْ تَرَكَ خَيْراً) يعني : مالا ، في قول الجميع ، وقال مجاهد : الخير في القرآن كله المال (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) (١) (إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ) (٢) (فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) (٣) (إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ) (٤) وظاهر الآية يدل على مطلق الخير ، وبه قال : الزهري ، وأبو مجلز ، وغيرهما ، قالوا : تجب فيما قلّ وفيما كثر.
وقال أبان : مائتا درهم فضة. وقال النخعي : من ألف درهم إلى خمسمائة ؛ وقال علي : وقتادة : ألف درهم فصاعدا ، وقال الجصاص : أربعة آلاف درهم. هذا قول من قدّر الخير بالمال.
وأما من قدّره بمطلق الكثرة ، فإن ذلك يختلف بحسب اختلاف حال الرجل ، وكثرة عياله ، وقلتهم.
وروي عن عائشة أنها قالت : ما أرى فضلا في مال هو أربعمائة دينار لرجل أراد أن يوصي وله عيال ، وقالت في آخر : له عيال أربعة وله ثلاثة آلاف ، إنما قال الله (إِنْ تَرَكَ خَيْراً) وإن هذا الشيء يسير فاتركه لعيالك.
وعن علي : أن مولى له أراد أن يوصي وله سبعمائة فمنعه ، وقال : قال تعالى : (إِنْ تَرَكَ خَيْراً) والخير : هو المال ، وليس لك مال. انتهى.
ولا يدل عدم تقدير المال على أن الوصية لم تجب ، إذ الظاهر التعليق بوجود مطلق الخير ، وإن كان المراد غير الظاهر ، فيمكن تعليق الإيجاب بحسب الاجتهاد في الخير ؛ وفي تسميته هنا وجعله خيرا إشارة لطيفة إلى أنه مال طيب لا خبيث ، فإن الخبيث يجب رده إلى أربابه ، ويأثم بالوصية فيه.
واختلفوا ، فقال قوم : الآية محكمة ، والوصية للوالدين والأقربين واجبة ، ويجمع للوارث بين الوصية والميراث بحكم الآيتين.
__________________
(١) سورة العاديات : ١٠٠ / ٨.
(٢) سورة ص : ٣٨ / ٣٢.
(٣) سورة النور : ٢٤ / ٣٣.
(٤) سورة هود : ١١ / ٨٤.