(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) (١) أي : فاجلدوا كل واحد منهم ثمانين جلدة. وتبين من افراد المسكين أن الحكم لكل يوم يفطر فيه مسكين ، ولا يفهم ذلك من الجمع.
(فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ) أي : من زاد على مقدار الفدية في الطعام للمسكين ، قاله مجاهد ، وعلى عدد من يلزمه إطعامه ، فيطعم مسكينين فصاعدا قاله ابن عباس ، وطاووس ، وعطاء ، والسدي. أو جمع بين الإطعام والصوم ، قاله ابن شهاب.
وانتصاب (خَيْراً) على أنه مفعول على إسقاط الحرف ، أي : بخير ، لأنه تطوّع لا يتعدى بنفسه ، ويحتمل أن يكون ضمّن : تطوّع معنى فعل متعد ، فانتصب خيرا ، على أنه مفعول به ، وتقديره ، ومن فعل متطوعا خيرا ، ويحتمل أن يكون انتصابه على أنه نعت لمصدر محذوف ، أي : تطوعا خيرا ، ودل وصف المصدر بالخيرية على خيرية المتطوع به ، وتقدم ذكر قراءة من قرأ يطوع ، فجعله مضارع أطوع ، وأصله تطوع فأدغم ، واجتلبت همزة الوصل. ويلزم في هذه القراءة أن تكون : من شرطية ، ويجوز ذلك في قراءة من جعله فعلا ماضيا ، والضمير في فهو ، عائد على المصدر المفهوم من تطوع ، أي : فالتطوع خير له ، نحو قوله : (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) (٢) أي : العدل ، وخير : خبر : لهو ، وهو ، هنا أفعل التفضيل ، والمعنى : أن الزيادة على الواجب ، إذا كان يقبل الزيادة ، خير من الاقتصار عليه ، وظاهر هذه الآية العموم في كل تطوع بخير ، وإن كانت وردت في أمر الفدية في الصوم ، وظاهر التطوع : التخيير في أمر الجواز بين الفعل والترك ، وأن الفعل أفضل. ولا خلاف في ذلك ، فلو شرع فيه ثم أفسده ، لزمه القضاء عند أبي حنيفة ، ولا قضاء عليه عند الشافعي.
(وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) وقرأ أبيّ : والصوم خير لكم. هكذا نقل عن ابن عطية. ونقل الزمخشري : أن قراءته : والصيام خير لكم ، والخطاب للمقيمين المطيقين الصوم ، أي : خير لكم من الفطر والفدية ، أو للمريض والمسافر ، أي : خير لكم من الفطر والقضاء ، أو : لمن أبيح له الفطر من الجميع. أقوال ثلاثة.
وأبعد من ذهب إلى أنه متعلق بأول الآية ، وهو (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ
__________________
(١) سورة النور : ٢٤ / ٤.
(٢) سورة المائدة : ٥ / ٨.